الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص39
وبما روي أن امرأة جاءت إلى النبي ( ص ) فقالت : إن أبي ونعم الأب هو زوجني بابن أخ له ليرفع بي خسيسته فرد نكاحها .
فقالت قد اخترت ما فعل أبي ، وإنما أردت ليعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ، ولأن كل من جاز له التصرف في ماله جاز له التصرف في نكاحه كالرجل طرداً والصغير عكساً ، ولأنه عقد يجوز أن يتصرف فيه الرجل فجاز أن تتصرف فيه المرأة كالبيع ، ولأنه عقد على منفعة فجاز أن تتولاه المرأة كالإجارة ، ولأن لما جاز تصرفها في المهر وهو بدل من العقد جاز تصرفها في العقد .
وتحريره : أن من جاز تصرفه في البدل جاز تصرفه في المبدل كالبالغ في الأموال طرداً وكالصغير عكساً .
والدلالة على جماعتهم قوله تعالى : ( فَلاَ تَعْضِلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) ( البقرة : 232 ) فدلت الآية على ثبوت الولاية من وجهين :
أحدهما : نهي الأولياء عن عضلهن ، والعضل المنع في أحد التأويلين ، والتضييق في التأويل الآخر ، فلو جاز لهن التفرد بالعقد لما أثر عضل الأولياء ولما توجه إليهم نهي .
والثاني : قوله في سياق الآية : ( إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) ( البقرة : 232 ) . والمعروف ما تناوله العرف بالاختيار وهو الولي وشاهدان .
فإن قيل : فالمنع من العضل إنما توجه إلى الأزواج لتقديم ذكرهم دون الأولياء الذين ليس لهم في الآية ذكر ، فمن ذلك جوابان :
أحدهما : أنه لا يجوز توجيه النهي إلى الأزواج ، لأنه إن عضل الزوج قبل العدة فحق لا يجوز أن ينهى عنه ، وإن عضل بعد العدة فهو غير مؤثر .
والثاني : أن ما روي من سبب نزولها في معقل بن يسار في أشهر القولين أو جابر في أضعفهما يوجب حمله على الأولياء دون الأزواج ، وليس ينكر أن يعود الخطاب إليهم وإن لم يتقدم لهم ذكر إذاً دل الخطاب عليه كما قال : ( إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) ( العاديات : 6 ، 7 ) يعني الله تعالى : ( وَإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) ( العاديات : 8 ) . يعني الإنسان وقال تعالى : ( فَأَنْكِحُوهٌنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ ) ( النساء : 25 ) أي أوليائهن ، فجعل إذن الأولياء شرطاً في نكاحهن ، فدل على بطلانه لعدمه .
ويدل على ذلك من السنة ما رواه ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وأنس ، وعمران بن الحصين ، وأبو موسى ، وأثبت الروايات رواية أبي موسى أن النبي ( ص ) قال : ‘ لا نكاح إلا بولي ‘ .