الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص13
قال الماوردي : وذلك أن الله تعالى لما أوجب على نبيه ( ص ) تخيير نسائه فاخترنه حظر الله تعالى عليه طلاقهن وحظر عليه أن يتزوج عليهن استبدالاً بهن فخصه بتحريم طلاقهن وتحريم التزويج عليهن تغليظاً عليه ، ومكافأة لهن على صبرهن معه على ما كان فيه من ضيق وشدة ، فقال سبحانه تعالى : ( لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ولاَ أَنْ تَبَدّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) لا يحل لك النساء من بعد نساءك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة وهن التسع اللاتي مات عنهن بعد العاشرة التي فارقها فصار مقصوراً عليهن وممنوعاً من غيرهن وإن أعجبه حسنهن .
وقيل : إن التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب عنها فجازاهن الله تعالى في الدنيا بتحريم طلاقهن والتزويج عليهن ، لأنه أحب الأشياء إلى النساء إذا اخترنا أزواجهن أن جازاهن بالجنة في الآخرة لقول الله تعالى : ( وَإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) ( الأحزاب : 29 ) .
والمحسنات هن المختارات لرسوله ( ص ) والأجر العظيم هي الجنة ، وأن الله تعالى أكرمهن في الدنيا وفضلهن على غيرهن من النساء بتسع خصالٍ نذكر تفصيلها من بعد مشروحةً إن شاء الله تعالى .
قال الماوردي : قد ذكرنا في حظر الله على نبيه ( ص ) في طلاق نسائه بعد تخييرهن وتحريم نكاح النساء عليهن ، فأما تحريم طلاقهن فقد كان باقياً عليه إلى أن قبضه الله تعالى إليه ، وما كان من طلاقه لحفصة واسترجاعها وإزماعه طلاق سودة حتى وهبت يومها لعائشة ، فإنما كان قبل التخيير ، وإنما تحريم النكاح فقد اختلف في ثبوت حكمه ونسخه ، فكعم بعض أهل العراق : أن تحريم النكاح عليه كان ثابتاً إلى أن قبضه الله تعالى إليه بدلالة أشياء .
أحدهما : قوله تعالى : ( لاَ يَحِلُّ لَكَ النّسَاءَ مِنْ بَعْدُ ) ( الأحزاب : 52 ) ، وكان هذا على الأبد .
والثاني : أن الله تعالى جعله مقابلة على اختيارهن على طريق الجزاء فلم يجز أن يتعقبه رجوع .
والثالث : أنه لما كان تحريم طلاقهن باقياً وجب أن يكون تحريم النكاح عليهن باقياً ، لأنهما جميعاً جزاء .
وذهب الشافعي إلى أن تحريم النكاح عليهن نسخ حين اتسعت الفتوح ، فإن النبي ( ص ) ما مات حتى أحل له النساء ، وهذا قول عائشة وأبي بن كعب ، والدليل قوله