الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص491
كان قادرا على كفايته بنفسه وجوز له أخذ الزكاة ، وجعل الغناء معتبرا بملك النصاب وإن عجز عن كفايته وحظر عليه أخذ الزكاة استدلالا لقوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) [ التوبة : 60 ] والفقير هو العادم ، وهذا عادم وإن كان مكتسبا ، وبما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم ‘ فميز الأغنياء بأخذ الصدقة منهم وميز الفقراء بدفع الصدقة إليهم ، فوجب أن يكون من تؤخذ منه الصدقة غنيا وإن كان غير مكتسب ، ومن تدفع إليه فقيرا ، وإن كان مكتسبا .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ من سألنا أعطيناه ‘ وقال : ‘ أعطوا السائل ولو جاء على فرس ‘ وقد سئل المكتسب فوجب أن يعطى ؛ ولأنه لا يملك نصابا ولا قيمته فوجب أن يكون فقيرا تحل له الصدقة قياسا على غير المكتسب ؛ ولأنه لما لم يكن المكتسب غنيا في وجوب الحج والتكفير بالعتق لم يكن غنيا في تحريم الزكاة ؛ ولأنه لما حلت الزكاة من سهم الغارمين حلت له من سهم الفقراء والمساكين ودليلنا ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي ( ص ) فسألاه من الصدقات فصعد النظر فيهما وصوب وقال : ‘ إن شئتما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب ‘ فجعل الكسب كالغنى بالمال في تحريم الصدقات .
وروى سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي قدرة ‘ فحرم الصدقة بالقدرة على الكسب كما حرمها بالغنى ؛ ولأنه مستديم القدرة على كفايته فوجب أن تحرم عليه الزكاة بالفقر والمسكنة كالقادر على نصاب أو كالمشتغل لوقف ؛ ولأن من حرمت عليه المسألة حرمت عليه الصدقة كالغني ، ولأنه لما كان الاكتساب كالغنى في سقوط نفقته عن والديه ومولوديه ووجوبها عليه لوالديه ومولوديه كان كالغني في تحريم الصدقات .
فأما الجواب عن الآية فهو أن الفقر ليس العدم وإنما هو الحاجة ، والمكتسب غير محتاج وأما الجواب عن قوله : ‘ أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم ‘ فهو أنه قد يكون في الناس من لا تؤخذ منه ولا تدفع إليه فهو مالك ما لا يزكى فكذلك المكتسب فجاز أن يكون منهم من تؤخذ منه فتدفع إليه وهو مالك ما يزكى إذا كان غير مكتسب .
وأما الجواب عن قوله ( ص ) ‘ من سألنا أعطيناه ‘ فهو أن معناه من أظهر لنا الفقر قبلنا منه ، لأن الأصل في الناس العدم .