الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص488
طائفة إلى تميزها بالاختلاف في الصفة مع تساويهما في الضعف والحاجة ، ومن قال بهذا اختلفوا في الصفة التي بها وقع التمييز بينهما على أربعة أقاويل :
أحدها : أن الفقير هو المحتاج المتعفف عن السؤال والمسكين هو المحتاج السائل وهذا قول ابن عباس والحسن والزهري .
والثاني : أن الفقير هو ذو الزمانة والمسكين هو الصحيح الجسم من أهل الحاجة ، وهذا قول قتادة .
والثالث : أن الفقراء هم المهاجرون والمساكين غير المهاجرين ، وهذا قول الضحاك بن مزاحم وإبراهيم النخعي .
والرابع : أن الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الكتاب ، وهذا قول عكرمة .
وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء إلى أن تمييزهما بالاختلاف في الضعف والحاجة وإن تساويا في الصفة ، وأن أحدهما أسوأ حالا من الآخر ، فبذلك تميز عنه ثم اختلفوا في أيهما أسوأ حالا الفقير أو المسكين ، فذهب الشافعي إلى أن الفقير هو أسوأهما حالا وهو الذي لا شيء له أو له يسير تافه لا يؤثر في قدر حاجته .
والمسكين : هو الذي له ما يؤثر في حاجته ، ويقتصر على كفايته فإذا كانت كفاية الواحد عشرة فإن وجدها فليس بمسكين ولا فقير ، وإن عدمها أو وجد أقلها كان فقيرا ، وإن وجد أكثرها كان مسكينا وهذا في أهل اللغة قول الأصمعي وقال أبو حنيفة المسكين أسوأ حالا من الفقير فالمسكين عنده على صفة الفقير عندنا ، والفقير عنده على صفة المسكين عندنا ، وهو في أهل اللغة قول الفراء وثعلب واختاره أبو إسحاق المروزي من أصحابنا استدلالا بقوله تعالى : ( أو مسكينا ذا متربة ) [ البلد : 16 ] أي ملصق بالتراب لضره وعريه وليس أحد أسوأ حالا ممن هذه صفته ، فدل على أن المسكين أسوأ حالا من الفقير ، وبقوله تعالى : ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين ) [ البقرة : 177 ] والسائل أحسن حالا فدل على أن المسكين أسوأ حالا ، ولأن الله تعالى خص بمصرف أموال الطهرة من ذوي الحاجات من القرب والكفارات على المساكين دون الفقراء ، فدل تخصيصهم بالذكر على اختصاصهم بسوء الحال .
قالوا : وقد حكي عن يونس قال : قلت لأعرابي أمسكين أنت ، فقال : لا والحمد لله بل فقير ، فدل على أن الفقير أحسن حالا من المسكين ؛ لأن الحمد يكون على أحسن الحالين ويدل على هذا أيضا قول :
فسماه فقيرا وله حلوبة هي وفق عياله .