الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص487
وأما الذي يأخذها ويستحقها بسبب مستحدث فهم صنفان : بنو السبيل ، والغزاة ، فيأخذ ابن السبيل ليبتدئ سفره ، ويأخذ الغازي ليبتدئ جهاده ، فإذا أخذوا سهمهم منها لم يستقر ملكهم عليه إلا أن يسافر ابن السبيل ويجاهد الغازي فيستقر حينئذ ملكهم على ما أخذوا ، فإن لم يسافر ابن السبيل ولم يجاهد الغازي استرجع منهما ما أخذاه لفقد السبب الذي يعتبر به الأخذ والاستحقاق ، وأما الذي يأخذها بسبب متقدم واستحقاق مستحدث فهم ثلاثة أصناف المؤلفة قلوبهم يدفع إليهم لتغير نياتهم المتقدمة ويستحقونها بجنس نياتهم المستحدثة والمكاتبون يأخذونها للباقي عليهم من أموال كتابتهم ويستحقونها بما يستحدثون من قضاء ديونهم وزوال غرمهم ، فهؤلاء إن حدث منهم بعد أخذها ما به يستقر الاستحقاق من حسن نيات المؤلفة وعتق المكاتبين بالأداء وقضاء ديون الغارمين بالقضاء فلا يجوز الرجوع عليهم بشيء منها لاستقرار الاستحقاق ، والحادث بعد الأخذ بالسبب المتقدم وإن لم يحدث منهم بعد الأخذ ما يستقر به الاستحقاق فلم يحسن به نيات المؤلفة قلوبهم ، ولم يؤد المكاتبون ذلك في عتقهم ولا قضاه الغارمون في ديونهم فهذا ينظر ، فإن كان سبب الأخذ باقيا وهو بقاء الكتابة على المكاتبين وبقاء الدين على الغارمين لم يسترجع ذلك منهم ؛ لأنه يجوز أن يستأنف دفعها إليهم فلم يجز أن يسترجع المتقدم منهم وكذلك المؤلفة لأن ضعف نياتهم التي قصدوا له بتآلفهم باق ويقتضي استئناف العطاء فلم يجز أن يعارض بالاسترجاع المنكر وإن كان سبب الأخذ قد زال مع بقاء الصدقة بأيديهم كعتق المكاتب تبرعا أو بأداء من كسب وزال الغرم بإبراء أو بقضاء من كسب استرجعت منهم ؛ لأن سبب الاستحقاق لم يوجد .
قال الماوردي : اعلم أن الفقر والمسكنة اسمان يشتركان من وجه ويفترقان من وجه ، فأما الوجه الذي يشتركان فيه فهو الضعف ، وأن كل واحد منهما إذا أفرد بالذكر شاركه الآخر فيه حتى لو وصى بثلث ماله للفقراء شاركهم المساكين ولو وصى به للمساكين شاركهم الفقراء .
وأما الوجه الذي يفترقان فيه فهو أنه إذا جمع بينهما تميزا ثم اختلف في تميزهما عند الاجتماع هل يكون التمييز بينهما باختلافهما في الحاجة أو باختلافهما في الصفة فذهبت