الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص474
إمامته تبطل بجوره كما تبطل بعزله وخلعه ، ثم ثبت أنه لو قبضها بعد خلع نفسه لم تقع موقع الإجزاء كذلك إذا قبضها بعد جوره .
وتحريره : أن ما أبطل إمامته منع من إجزاء قبضه كالخلع .
فأما الجواب عن استدلالهم بالخبر ، فمن وجهين :
أحدهما : اختصاص الوزر بالإمام دون الأحكام .
والثاني : أنه وإن لم يتعد وزره إلى غيره لم يتعد وزر غيره إليه ، ورب المال مأخوذ بوزر زكاته حتى تصل إلى مستحقها فلم يسقط عنه وزرها لها .
وأما قياسهم على الحدود فهي من حقوق الله تعالى المحضة التي لا حق فيها لآدمي والمقصود بها الزجر الحاصل بعد الإمام وجوره ، ولذلك جوزنا لغير الإمام من سيد العبد والأمة أن يحدهما ، وليس كذلك الزكاة ، والمقصود بها وصولها إلى مستحقها ، وذلك بجور الإمام معدوم فافترقا .
وأما قياسهم على الوكيل فالمعنى في الوكيل أن وكالته لا تبطل بجنايته ؛ فلذلك صح قبضه ، والإمام تبطل ولايته بجوره فلذلك لم يصح قبضه .
فإن قيل : فما أفضل الأمرين ؟ أن يدفع زكاة ماله إلى الإمام أو تفريقها بنفسه .
قيل : إن كان ماله ظاهرا فدفع زكاته إلى الإمام أفضل لما فيه من إظهار الطاعة بأن يقتدي به الجماعة ، وإن كان ماله باطنا فتفرده بإخراج زكاته أفضل من دفعها إلى الإمام لما قد استقر عليه فعل الأئمة الراشدين من إقرار أرباب الأموال على إخراجها ، ولتكون مباشرة التأدية ما لزمه من حقها وليخص أقاربه وذوي رحمه بها .
فإن قيل : فأي الأمرين أفضل في تفريق الزكاة ؟ أن تخفى أو تبدى ؟
قيل : إن كان الإمام هو المفرق لها فابداؤها أفضل من إخفائها سواء كان زكاة مال ظاهر أو باطن ؛ لأنه ثابت فيها فكان إظهار إخراجها أفضل له من إخفائها وكتمها ، وإن كان المفرق لها رب المال فإن كانت زكاة مال ظاهر فالأفضل له إظهارها بالعدول أهل السهمان عن الإمام إليه ، وليعلم الإمام أنه قد أخرج ما عليه ، وإن كانت زكاة مال باطن فالأفضل له إخفاؤها إذا أخرجها من أن يجهر بها ، لقوله تعالى : ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) ولأن إخفاءه في حقه أبعد من الرياء ، وفي حق أهل السهمان أبعد من الاستحياء ، والله أعلم .