الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص453
على حكم الذرية في مال الفيء وإن كان ما أعجزهم عن القتال لا يوجب نفقاتهم بعد البلوغ لقدرتهم على الاكتساب مع العجز عن القتال خرجوا عن حكم الذرية في مال الفيء ، وعدل بهم إلى مال الصدقات ، إن كانوا من أهلها سواء كانوا ذرية أحياء أو أموات ، لأن سقوط نفقتهم بالبلوغ تخرجهم عن حكم الذرية والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا مرض أحد المقاتلة من أهل الفيء لم يخل حال مرضه من أحد أمرين : إما أن يكون يجرى من الله زواله ، أو لا يرجى فإن كان زواله مرجوا كان على حقه في العطاء سواء أكان مرضا مخوفا أم غير مخوف ؛ لأن الأمراض تناوب ولا تنفك الأبدان منها في الغالب ، وإن كان المرض مما لا يرجى زواله كالعمى والفالج سقط عطاؤه في المقاتلة بخروجه منها بالعجز عن القتال ، وصار كالذرية إذا انفردوا ، فهل يعطى كفايته من مال الفيء ، أو يعدل به إلى مال الصدقة ؟ على قولين :
أحدهما : يعطى من مال الفيء قدر كفايته كالذرية فيكون حقه في أربعة أخماس الفيء .
والثاني : أنه لا يعطى من مال الفيء فيمنع من أربعة أخماسه ، ثم ينظر فإن كانت زمانته بمرض عدل إلى مال الصدقات ، وإن كانت زمانته عن جراح نالته في القتال ، فهل يعدل به إلى مال الصدقات ، أو إلى سهم المساكين من خمس الفيء ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه يعدل به إلى سهم المساكين من خمس الفيء ، ويميز عن مساكين الصدقات استيفاء لحكم الفيء فيه .
والوجه الثاني : أنه يعدل به إلى مال الصدقات ، كالذي زمانته بمرض والله أعلم .
قال الماوردي : أما إذا كان مال الفيء لا يجيء إلا مرة واحدة في كل عام لم يجعل العطاء إلا مرة في كل عام ، في وقت منه معلوم يتقدر باستكمال المال فيه ، وأولى ذلك أن يكون في المحرم إذا أمكن ، وإن كان مال الفيء يحصل في مرتين من كل عام أو مرارا لم ينبغي أن يجعل العطاء أكثر من مرتين في كل عام لما ذكرنا من تشاغل المجاهدين بالاقتضاء ، وتشاغل الإمام بالعطاء ، ثم ينظر الإمام في أرفق الأمرين به وبالجيش ، فإن كان الأرفق أصلح أن يجعله في كل عام مرة لبعد المغزى أو طول المدة فعل ، وإن كان الأرفق الأصلح أن يجعله في مرتين منها صيفا وشتاء ، كي لا يتشاغل بحفظ المال إذا استبقاه ولا يستبطئ الجيش مع قرب المغزى وبعد مداه فعل ، ومن أصحابنا من قال : لا ينظر الإمام في