الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص452
لا يجوز أن يدخل في أهل الفيء إلا من استكمل شروط الجهاد فصار من أهله ، فحينئذ يثبت نفسه في ديوان الفيء ويفرض له من العطاء قدر كفايته ، وشروط الجهاد التي يتعلق فرض الجهاد بها ويجوز الدخول في أهل الفيء معها ستة وهو أن يكون ذكرا بالغا عاقلا حرا مسلما قادرا على القتال ، فإن أخل بشرط منها لم يكن من أهل الجهاد ولا ممن يجوز أن يدخل في أهل الفيء ، وإن استكملها صار من أهل الجهاد إلا أنه لا يتوجه الفرض إليه إلا بالاستطاعة ، لجواز أن يدخل في أهل الفيء مع عدم الاستطاعة ، لأنه قد يستطيع بعطائه إذا أخذه على القتال إذا ندب .
قال الماوردي : وهذا صحيح .
إذا بلغ الصغار من ذرية أهل الفيء بالاحتلام أو باستكمال خمس عشرة سنة لم يخل حالهم من أحد أمرين : إما أن يكونوا قادرين على القتال أو عاجزين عنه ، فإن كانوا قادرين عليه خرجوا من جملة الذرية سواء كانوا من ذرية أموات أو أحياء لما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه جعل البلوغ فرقا بين الذرية والمقاتلة ، ولأن بلوغ الذرية يسقط نفقاتهم عن المقاتلة فخرجوا من جملة الذرية ، ثم هم بالخيار بين أن يكتبوا أنفسهم في ديوان الفيء فيكونوا من أهله ، وبين أن لا يفعلوا فيمنعوا من الفيء ، ويصيروا من أهل الصدقات وإن كانوا فقراء وإن بلغوا عاجزين على القتال لعمى أو زمانة ، لم يجز أن يثبتوا في ديوان الفيء منفردين وهل يبقوا على حكم الذرية في إعطائهم مال الفيء تبعا أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم باقون على حكم الذراري في منعهم من مال الصدقة وإعطائهم قدر الكفاية بين مال الفيء ، سواء كانوا ذرية لأحياء أو لأموات ، استصحابا لما تقدم في حكمهم .
الوجه الثاني : أنهم قد خرجوا في حكم الذراري لتميزهم بالبلوغ ، ويعدل بهم إلى مال الصدقات إن كانوا من أهلها ، وسواء كانوا ذرية لأحياء أو لأموات .
والوجه الثالث : أنهم إن كانوا من ذرية أموات منعوا من مال الفيء وعدل بهم إلى مال الصدقات ، وإن كانوا من ذرية أحياء بقوا في مال الفيء على حكم الذراري ومنعوا مال الصدقات ، لأن الحي يجوز أن يكون متبوعا في مال الفيء لبقاء عطائه ، والميت لا يجوز أن يكون متبوعا فيه لسقوط عطائه ، والأصح عندي أن ينظر فإن كان الذي أقعدهم عن القتال موجبا لنفقاتهم على الأباء بعد بلوغهم ، كوجوبها عليهم في صغرهم كالجنون والزمانة المانعة من الاكتساب بقوا على حكم الذراري في مال الفيء ، ولم يعدل بهم إلى مال الصدقات سواء كانوا ذرية أحياء أو أموات ؛ لأن بقاء حكمهم في وجوب النفقة موجبا لبقائهم