پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص449

والثاني : أن الله تعالى سوى في الميراث بين البار والعاق ، وبين المحب والمشاق لاستوائهم في سبب الاستحقاق كذلك أهل الفيء .

قال الشافعي : ولو وجدت الدلالة على أن التفضيل أرجح بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله ( ص ) كنت إلى التفضيل بالدلالة مع الهوى أسرع بمكان الشافعي من السابقة والنسب الذي لو جاز أن يستحق به التفضيل لكان أسرع إلى هواه من التسوية ولكن اتباع الدلالة أحق .

مسألة :

قال الشافعي ‘ وعليهم أن يغزوا إذا غزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه فإن استغنى مجاهده بعدد وكثرة من قربه أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ‘ .

قال الماوردي : وهذا صحيح ليس لأحد من أهل الفيء والأعراب أن يغزوا إلا بأمر الإمام وإذنه لأمورا منها :

أنه لم يكن أحد يغزو على عهد رسول الله ( ص ) إلا بأمره وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده ، ولأن الإمام أعرف بأحول العدو وفيما هم عليه من قوة وضعف وخصب وجدب واختلاف ووفاق وينفذ من الجيش من يكافئ العدو في القلة والكثرة والقوة والضعف ولأنهم ربما اضطروا لتكاثر العدو عليهم إلى مدد فيمدهم ، ولأنهم ربما احتاجوا إلى ميزة فيميزهم ولأنه ربما عرف لاتصال الأخبار به من مكامن العدو ما سددهم .

فبهذه الأمور ونظائرها ما منعوا من الغزو إلا بأمره ، فإذا أمرهم بالغزو لزمتهم طاعته وإجابته ، فإن لم يطيعوه مع ارتفاع الموانع سقطت أرزاقهم ؛ لأن ما يرزقون من العطاء في مقابلة ما يأخذون به من الجهاد ، فإذا قعدوا عنه بعد الأمر سقط ما يعطونه عليه من الرزق كالزوجات لما استحقوا نفقاتهم بالطاعة سقطت بالنشوز ، وإذا كان كذلك فينبغي للإمام أن يستفسر من الجهاد مع المكنة اتباعا لأمر الله تعالى واقتداء برسول الله ( ص ) وتحقيقا لوعده تعالى وإظهارا على الدين كله ، وأقل ما عليه أن يغزو في كل عام إما بنفسه أو خلفائه ؛ لأن رسول الله ( ص ) ما تركه في كل عام منذ فرض عليه الجهاد ، وكي لا يمضي عطاء العام هدرا ، وكي لا يقوى العدو بالمشاركة ، وكي لا يألف أهل الجهاد الراحة .

فصل :

قال الشافعي : الإمام في إغزائهم رأيه : يعني : في الزمان الذي يأمرهم بالغزو إليه والعدد الذي يقتصر عليه ، فإذا أراد ذلك اختار لهم من الزمان أولاه ، ومن المكان أدناه ، ويندب عن كل طائفة إلى من يليها ، لقوله تعالى : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) [ التوبة : 123 ] ولأن كل قوم بمن يليهم أخبر ، وعلى قتالهم أقدر وما يتكلفونه من المؤنة في قتالهم أيسر ، فلا ينفذ أهل ثغر إلى غيره إلا لأحد أمرين .

إما أن يسلم أهله فينقلهم عنه إلى الجهة التي لم يسلم أهلها ويستوطنوا فيما يقابلها ويليها .