الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص366
وهذا قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي ، وغيرهما ، لأن نهيه عن النفقة إبراء من ضمان الذمة .
وقال أبو سعيد الإصطخري : يضمن ، وهو الأصح عندي ، لأنه شرط قد منع الشرع منه فكان مطرحا ، وعلى كلا الوجهين لا يسقط عنه المأثم ، وإنما الوجهان في الغرم ، وعلى هذين الوجهين لو أذن له السيد في قتل عبده كان في سقوط الغرم عن قاتله وجهان ، وقد حكاهما ابن أبي هريرة ، وزعم أنهما مخرجان من اختلاف قوليه في الرهن إذا أذن للمرتهن في وطء الجارية المرهونة : هل يسقط عنه المهر بالإذن أم لا ؟ على قولين .
فأما إن أمر بقطع يده أو جلده لم يضمن وجها واحدا ، لاحتمال أن يكون الأمر بقطعه حدا في سرقة والجلد حدا في زنا – والله أعلم .
وقال أبو حنيفة : لا غرم عليه ، استدلالا بأن الأمر إنما تضمن الحفظ دون العلف ، فلم يكن منه تقصير فيما تضمنه الأمر فلم يضمن ، وتعلقا بأنه لو رأى بهيمة تتلف جوعا فلم يطعمها لما ضمن ، فكذلك هذه ، وهذا فاسد ، لأن ما وجب بالشرع فهو كالمقترن بالأمر ، وقد نهى النبي ( ص ) ‘ أن تتخذ الروح غرضا ‘ وذكر في صاحبة الهرة التي دخلت بها النار ما يدل على أنه لا يجوز ترك البهيمة بلا علف ، ولأن علفها من شروط حفظها ، فلما كان حفظها واجبا وإن جاز أن تبقى بغير حافظ أولى أن يكون علفها واجبا إذ ليس يجوز أن تبقى بغير علف ، وبهذا بطل استدلاله .
فأما من رأى بهيمة غيره تموت جوعا فلم يطعمها فإنما لم يضمنها ، لأنه لم يتعين عليه حفظها ، وليس كالوديعة التي تعين عليه حفظها ، فإذا ثبت وجوب علفها عليه وأنه يضمنها إن لم تعلف فالطريق إلى رجوعه بعلفها أن يأتي الحاكم حتى ينظر حال مالكها ، فإن كان حاضرا ألزمه علفها ، وإن كان غائبا نظر أولى الأمرين له من بيعها إن خاف أن يذهب في علفها أكثر منها أو النفقة عليها إن رأى ذلك قليلا ، فإن رأى الحاكم أن يأذن للمستودع في النفقة عليها ، فهل يلزمه تقديرها له أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجهين في المالك لو كان هو الآذن ، وهل يجوز أن يتولى النفقة عليها بنفسه أو ينصب له أمينا يأخذها منه ؟ على وجهين ذكرناهما في ‘ اللقطة ‘ ، فإن اتفق المستودع عليها من غير حكم حاكم ، فإن قدر على استئذان الحاكم كان متطوعا بالنفقة ، وإن لم يقدر على استئذانه ففي رجوعه بالنفقة ثلاثة أوجه :
أحدهما : يرجع بها أشهد ، أو لم يشهد ، لوجوبها عليه ، وعدم من يحكم بها له .