الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص359
والثاني : أن المالك رضي بأمانته دون أمانة غيره ، فصارت يد من ائتمنه عليها يد غير مأذون فيها ، فصارت متعدية ، ولزم الضمان ، وكان مالكها مخير بين مطالبة المستودع الأول إن تلفت أو مطالبة الثاني .
وقال أبو حنيفة : له مطالبة الأول دون الثاني ، ووافق في الغاصب إذا أودع أن للمالك مطالبة أيهما شاء ، وهو دليل عليه في الوديعة ، لأنه ليس للمستودع أن يودع ، كما ليس للغاصب أن يودع ، فصار المستودع منهما جميعا يده غير محقه فلزمه الضمان ، وسواء علم بالحال أو لم يعلم ، لأن العمد والخطأ في ضمان الأموال سواء ، فإذا ثبت أن له مطالبة أيهما شاء بغرمها ، فإن أغرمها الثاني نظر فإن علم بالحال لم يرجع بما غرمه على الأول ، وإن لم يعلم ففي رجوعه عليه بغرمها وجهان .
وإن أغرمها الأول نظر فإن كان الثاني عالما بالحال رجع الأول عليه بما غرم ، وإن لم يعلم ففي رجوعه عليه وجهان مخرجان من اختلاف قوليه في الغاصب إذا وهب ما غصبه ثم غرمه هل يرجع بالغرم على الموهوب له أم لا ؟ على قولين .
وعلى مالك الوديعة أن يشهد على نفسه بقبض الهبة ، لأنها مضمونة بخلاف قبض الوديعة التي هي غير مضمونة .
أحدهما : أن يكون له وكيل في قبضها .
والثاني : أن لا يكون له .
فإن كان له وكيل فوكيله هو المستحق بقبضها ، لأن يد الوكيل كيد الموكل ، ويكون الحكم في عدول المستودع إلى غيره كالحكم في عدوله عن المودع مع حضوره على ما ذكرنا من التقسيم والجواب ، وإن لم يكن له وكيل فالمستحق لقبضها هو الحاكم ، فإن دفعها إليه لزمه الإشهاد على نفسه بالقبض ، فإن عدل عن الحاكم مع كونه مأمونا فدفعها إلى أمين ثقة ففي ضمانه وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا ضمان عليه ، وهو ظاهر كلام الشافعي ، لأن الأمين عليها يمكن أن يحاكمه المودع فيها إلى الحاكم ويقيم البينة بما عنده ولا يمكن أن يفعل ذلك مع الحاكم .
والوجه الثاني : وهو قول أبي سعيد الإصطخري ، وأبي علي بن خيران ، وابن أبي هريرة يضمن ، لأن اختيار الحاكم واختيار الأمين اجتهاد ، ولأن نظر الحاكم عام ونظر الأمين