الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص341
قال الماوردي : قد ذكرنا أنه لا يجوز للموصي أن يوصي ، إذا لم يجعل له الموصي أن يوصي .
فأما إذا جعل إليه أن يوصي ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يعين إليه من يوصي .
والثاني : أن لا يعين .
فإن عين له من يوصي إليه ، فهو أن يقول : قد أوصيت إليك وجعلت لك أن توصي إلى عمرو . وسواء قال : فإذا أوصيت فهو وصي ، أو لم يقل ، فهذا جائز ، لأنه قد أذن له في الوصية ، وقطع اجتهاده في الاختيار ، فجرى ذلك مجرى قوله : قد أوصيت إليك ، فإن مت : فقد أوصيت إلى عمرو .
ولا يقع الفرق بينهما إلا من وجه واحد ، وهو أنه إذا قال : إن مت فقد أوصيت إلى عمرو ، فإنه يصير عمرو بموت الوصي وصيا لا يحتاج إلى وصية من جهة الوصي .
ولو قال : وقد جعلت إليك أن توصي إلى عمرو : لم يصر عمرو وصيا إلا بوصية الوصي ، فإذا أوصى إليه صار عمرو وصيا للميت الأول لا للوصي .
فلو مات الوصي قبل أن يوصي إلى عمرو : لم تثبت وصية عمرو إلا أن يردها الحاكم إليه . فلو أراد الحاكم رد الوصية إلى غيره ففيه وجهان :
أحدهما : ليس له ذلك لأن الموصي قد قطع الاجتهاد في تعينه ، كما لا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره .
والوجه الثاني : أنه يجوز له ذلك ، لأن تعيين الوصية إليه إنما جعل إلى الوصي ، فإذا مات قبل أن يوصي ، بطل حكم تلك الوصية ، فصار نظر الحاكم فيها ، نظر حكم ، لا نظر وصي ، فجاز أن يختار من يراه للنظر أوفق .
وهكذا لو قال الموصي ، قد أوصيت إلى زيد ، فإن مات فقد أوصيت إلى عمرو ، فإن مات فقد أوصيت إلى بكر : جاز وكان كل واحد من الثلاثة وصيا بعد موت من تقدمه ، فقد جهز رسول الله ( ص ) جيش مؤتة ، وقال لهم : ‘ أميركم زيد بن حارثة ، فإن أصيب : فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب : فعبد الله بن رواحة ، فإن أصيب : فليرتض المسلمون رجلا ‘ .