الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص258
وقال أبو حنيفة : إذا مات قبل القبول ، بطلت الوصية له كالهبة ، وهذا فاسد : لأن ما استحقه في التركة لم يسقط بالموت كالدين ، ولأن كل سبب استحق به تملك عين بغير اختيار مالكها ، لم يبطل بموته ، قبل تملكها كالرد بالعيب . وفارقت الوصية الهبة ، من حيث أن الهبة قبل القبض غير لازمة ، فجاز أن تبطل بالموت ، والوصية قبل القبول لازمة ، فلم تبطل بالموت .
حال يقبل جميعهم الوصية ، وحال يرد جميعهم الوصية ، وحال يقبلها بعضهم ويردها بعضهم .
فإن قبلوها جميعا : فعلى القول الذي يجعل القبول دالا على تقدم الملك ، فالمالك للوصية بقبول الورثة ، هو الموصى له ، لا الورثة .
فعلى هذا يكون أولاد الأمة أحرارا ، لأن الأب لا يملك ولده ويجعلها له أم ولد في الموضع الذي تصير بالولادة أم ولد .
فأما القول الذي يجعل القبول ملكا ، فقد اختلف أصحابنا ، هل تدخل الوصية في ملك الموصى له بقبول ورثته أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ، وأبي حامد المروزي أن الوصية يملكها الورثة دون الموصى له ، لحدوث الملك بقبولهم .
فعلى هذا لا يعتق الأولاد الذين ولدتهم بعد القبول ، ولا تصير الأمة بهم ، أم ولد ، لأن الأخ يملك أخاه .
وعلى هذا : لو كانت الوصية مالا : لم يقض منها ديون الموصى له .
والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وبه قال أكثر البصريين وحكاه أبو القاسم بن كج عن شيوخه .
أن الوصية يملكها الموصى له بقبول ورثته ، وإن كان القبول مملكا .
لأنها لو لم تدخل في ملكه ، لبطلت ، لأن الورثة غير موصى لهم ، فلم يجز أن يملك الوصية من لم يوص له .
فعلى هذا قد اعتق الأولاد الذين ولدتهم بعد القبول ، وصارت ممن يجب أن تصير به أم ولد .
وعلى هذا لو كانت الوصية مالا : قضى منها ديون الموصى له .