الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص69
واختلف أهل التفسير في قوله تعالى : ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) [ النساء : 32 ] على قولين :
أحدهما : يعني : للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم ، وللنساء نصيب منه ؛ لأن الجاهلية لم يكونوا يورثوا النساء ، وهذا قول ابن عباس .
والثاني : للرجال نصيب من الثواب على طاعة الله والعقاب على معصية الله ، وللنساء نصيب مثل ذلك في أن للمرأة بالحسنة عشر أمثالها ، ولا تجزي بالسيئة إلا مثلها كالرجل وهذا قول قتادة .
أحدهما : أنهم قرابة الميت من قبل أبيه ومن قبل أمه فيما يعطيهم من ميراثه ، والمسكين وابن السبيل فيما يعطيهم من وصيته ، وهذا قول ابن عباس .
والثاني : أنهم قرابة رسول الله ( ص ) وهذا قول علي بن الحسن والسدي ، ثم توارث المسلمون بعد الهجرة بالإسلام والهجرة ، فكان إذا ترك المهاجر أخوين أحدهما مهاجر والآخر غير مهاجر كان ميراثه للمهاجر دون من لم يهاجر ، ولو ترك عما مهاجرا وأخا غير مهاجر كان ميراثه للعم دون الأخ .
قال ابن عباس : وفي ذلك نزل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) [ الأنفال : 72 ] . قال ابن عباس : ثم أكد الله تعالى ذلك بقوله : ( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) [ الأنفال : 73 ] يعني : أن لا تتوارثوا بالإسلام والهجرة فكانوا على ذلك حتى نسخ ذلك بقوله تعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) [ الأحزاب : 6 ] يعني : الوصية لمن لم يرث ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) [ الأحزاب : 6 ] وفيه تأويلان :
أحدهما : كان توارثكم بالهجرة في الكتاب مسطورا .
والثاني : كان نسخه في الكتاب مسطورا .