الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص66
على الصغيرة وغير المدخول بها ولأن المقصود بها التعبد ، فأما الجناية منه وعليه فقد تقدم ذكرها وفيما استوفيناه من ذلك تنبيه على ما أغفلنا ، فأما المزني فإنه اختار أن لا ينفذ إقراره في الماضي وإن نفذ في المستقبل وكان من استدلاله أن قال أجمعت العلماء أن من أقر بحق لزمه ومن ادعاه لم يجب له بدعواه .
وهذا القول صحيح غير أن الاستدلال به فاسد لأن اللقيط لم يكن منه إقرار بالحرية فلا يقبل رجوعه عنه وإنما حمل أمره في الحرية على الظاهر وإقراره على نفسه أقوى فكان الحكم به أولى .
قال الماوردي : وصورتها في لقيط بالغ ابتداء من غير دعوى فأقر برقه لزيد فأنكر زيد أن يكون مالكه فأقر اللقيط بعد ذلك برقه لعمرو فإقراره مردود وهو حر في الظاهر إلا أن تقوم بينة برقه لمالك فيحكم بها دون الإقرار .
وقال أبو العباس بن سريج إقراره مقبول للثاني وإن رده الأول كما كان إقراره مقبولا للأول وهكذا لو أنكره الثاني فأقر الثالث قبل منه وبه قال أهل العراق استدلالا بأنه لو أقر بنسبه لرجل فرده ثم أقر بنسبه لغيره جاز فكذلك إذا أقر برقه لرجل فرده ثم أقر به لآخر جاز وهكذا لو أقر بدار في يده لرجل فرد إقراره ثم أقر بها لغيره نفذ إقراره ، فكذلك في الرق لأنه لا يخلو من أن يجري مجرى النسب وقد ذكرنا جواز ذلك فيه أو مجرى المال وقد ذكرنا جوازه فيه ، وهذا الذي قاله أبو العباس ومن وافقه من أهل العراق خطأ من وجهين : أحدهما أن إقراره بالرق للأول إقرار بأنه لا رق عليه لغير الأول فإذا رد الأول الإقرار فقد رفع رقه عنه بالإنكار فصار إقراره بالرق إذا رد كالعتق فلم يجز أن يقر بعد الرق والثاني أن في الحرية حقا لله تعالى وحق للآدمي فصار أغلظ من حق الله تعالى إذا تجرد من حق الآدمي إذا انفرد فلم يكن لمن جرى حكمه عليه أن يدفعه عن نفسه فأما ما استدل به من إقراره بالنسب فقد كان بعض أصحابنا يضيق عليه الفرق بينهما فيجعل الحكم فيهما سواء ويقول إذا رد إقراره بالنسب لم أقبله إذا أقر به من بعد كما لو رد في العتق لم أقبله من بعد وذهب سائر أصحابنا إلى أنه يقبل في النسب ولا يقبل في الرق والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن إنكاره الرق يقتضي أن لا رق وليس إنكاره للنسب موجبا لرفع النسب .
والثاني : أن من أنكر شيئا ثم أقر به قبل منه ومن أنكر الرق ثم أقر به لم يقبل منه ، وأما الإقرار بالدار فإذا رده المقر له لم يقبل إقرار المقر بها لغيره وإنما جعل الثاني أحق بها من حيث أنه لا منازع له فيها ولا بد لكل ملك من مالك وليس كذلك اللقيط لأنه قد يكون حرا وليس له مالك .