الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص39
ومن حضره من ذوي المكنة وجعلها مقسطة عليهم على عددهم جبرا ولا يخص بالإجبار عليها واحدا قال الشافعي فإن لم يفعل حرم تضييعه على من عرفه حتى يقام بكفالته لأن ذلك من فروض الكفايات ثم ينظر فإن بان عبدا رجع بها على سيده وإن بان له أب غني أخذها من أبيه فإن بلغ ولا أب له ولا سيد فإن علمه مكتسبا رجع عليه في كسبه وإن كان غير مكتسب فهو من جملة أهل الصدقات فيقضي ذلك عنه من أي المالين يراه فيها من سهم الفقراء أو المساكين أو من سهم الغارمين والله أعلم .
قال الماوردي : وصورتها في لقيط فقير أمر الحاكم ملتقطه أن يستقرض ما ينفقه عليه فذلك ضربان : أحدهما : أن يأمره أن يستقرض عليه من غيره فهذا جائز ولا يأخذ القرض جملة ولكن يستقرض له في كل يوم أو أكثر في كل أسبوع قدر حاجته إليه ويقبل قول الملتقط في إنفاقه عليه لأنه لا يستغني عن غذاء في كل يوم فإذا مرت به الأيام على سلامة وهو فيها نامي الجسد مستقيم الأحوال كان الأظهر من حاله وصول النفقة إليه . والضرب الثاني : أن يأمره أن يستقرض من نفسه فهل يجوز له أن يتولى إنفاقه عليه بنفسه أم لا على قولين :
أحدهما : وهو نصه ها هنا : يجوز لكونه أمينا وما ادعاه من شيء يكون مثله قصدا قبل منه . والقول الثاني : واختاره المزني أنه لا يجوز حتى يأخذها من غيره من الأمناء فينفقها عليه لأنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه دينا على غيره .
قال تعالى : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) [ آل عمران : 44 ] الآية ثم يتعين حق من قرع منهما في كفالته فإن أراد رفع يده عنه كان له ولم يجبر على إمساكه ويتسلمه الحاكم منه وهل يصير شريكه أولى بكفالته من غيره أم لا على وجهين :
أحدهما : هو أولى به من غيره لاختصاصه بالتقاطه وإن تقدم الآخر بالقرعة .
والوجه الثاني : أنه قد بطلت كفالته لما قرعه صاحبه وصار غيره سواء فيجتهد الحاكم