أحدهما : أن كذب المدعي أسقط للدعوى من كذب الشهود ، ألا ترى أن إكذاب المدعي لنفسه مبطلا للدعوى وإكذاب الشهود لأنفسهم غير مبطل للدعوى .
والثاني : أن البينة هي أقصى ما يقدر عليه المدعي وأقوى ما يحكم به الحاكم فدعت ضرورة الحاكم في البينة إلى ما لم تدعه من الصفة .
وأما الجواب عن قولهم اعرف عفاصها ووكاءها فهو أن ذلك لا لدفعها بصفة العفاص والوكاء ووجوب رده معه ولكن لمعان هي أخص بمقصود اللفظ منها أنه نبه بحفظ العفاص والوكاء ووجوب رده مع قلته وندارته على حفظ ما فيه ووجوب رده مع كثرته ومنها أن يتميز بذلك عن ماله ومنها جواز دفعها بالصفة وإن لم يجب وعلى هذا حمل حديث سويد بن غفلة الذي جعلوه نصا وأما استدلالهم به فنحن ما جعلنا الأمارة على الصدق حجة في قبول الدعوى وإنما الأيمان بعدها حجة وهم لا يقولون بذلك في اللقطة بعد الصفة فدل على اختلافها .
وأما استدلالهم بأن البينات في الأصول مختلفة فصحيح وليس من جميعها بينة تكون بمجرد الصفة ولا يكون تعذر البينة موجبا أن تكون الصفة بينة ألا ترى أن السارق تتعذر إقامة البينة عليه ولا يكون صفة ما بيده لمدعي سرقته حجة .
فصل :
فإذا ثبت أن دفعها بالصفة لا يجب فدفعها بالصفة وسعة ذلك إذا لم يقع في نفسه كذبه فإن أقام غيره البينة عليها بشاهدين أو شاهد وامرأتين أو شاهد ويمين كان مقيم البينة أحق بها من الآخذ لها بالصفة فإن كانت باقية في يد الواصف لها انتزعت منه لمقيم البينة وإن كان قد استهلكها نظر في الدافع لها فإن كان قد دفعها بحكم حاكم رأى ذلك مذهبا فلا ضمان على الدافع ورجع مقيم البينة بغرمها على الآخذ لها بالصفة وإن كان قد دفعها بغير حكم حاكم فلصاحب البينة الخيار في الرجوع بغرمها على من شاء من الدافع الملتقط أو الآخذ الواصف فإن رجع بها على الآخذ لها بالصفة فله ذلك لضمانه لها باليد واستحقاق غرمها بالإتلاف وقد برئ الدافع لها من الضمان لوصول الغرم إلى مستحقه وليس للغارم أن يرجع بما غرمه على الدافع لأنه إن كان مستحقا عليه فمن وجب عليه حتى لم يرجع به على أحد وإن كان مظلوما به فالمظلوم بالشيء لا يجوز أن يرجع به على غير ظالمه وإن رجع مقيم البينة بغرمها على الدافع الملتقط نظر في الدافع فإن كان قد صدق الواصف لها على ملكها وأكذب الشهود لصاحب البينة عليها فليس له الرجوع بغرمها على الآخذ لها بالصفة لأنه مقر أنه مظلوم بالمأخوذ منه فلا يرجع به على غير من ظلمه وإن لم يكن قد صدق الواصف ولا أكذب الشهود فله الرجوع بالغرم على الآخذ لها بالصفة لضمانه لها بالاستهلاك فتكون البينة موجبة عليه وله .
مسألة :
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ وإن كانت اللقطة طعاما رطبا لا يبقى فله أن يأكله إذا خاف فساده ويغرمه لربه ( وقال ) فيما وضعه بخطه لا أعلمه سمع منه إذا خاف فساده