پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص541

عطية جائزة وتمليك صحيح قد ملكها المعمر ملكاً تاماً ثم صارت لورثته من بعده هبة ناجزة وملكاً صحيحاً وتمامها بعد عقد العمرى بالقبض الذي به تتم الهبات ، وليس للمعطي بعد الإقباض الرجوع فيها وإن كان قبله مخيراً .

والقسم الثاني : أن يقول : قد جعلتها لك مدة عمرك على أنك إذا مت عادت إليّ إن كنت حياً أو إلى ورثتي إن كنت ميتاً ، فهذه عطية وتمليك فاسد ؛ لأن تمليك الأعيان لا يصح أن يتقدر بمدة ولا يجوز أن يجعل على التأبيد لما كان الشرط يقتضي أن يكون فاسداً ثم هي على ملك المعطي سواء أقبض أو لم يقبض ، وله استرجاعها وإن تصرف فيها المعطى ، أو لا يرجع عليه بأجرها مدة تصرفه فيها لأنه قد أباحه إياها .

والقسم الثالث : أن يقول : قد جعلتها لك مدة عمرك ولا يشترط أن يرجع إليه بعد موته كما ذكرنا في القسم الثاني ولأن يكون له ولورثته كما ذكرنا في القسم الأول ففيه قولان :

أحدهما : وهو قوله في القديم رواه الزعفراني عنه أنه عطية باطلة لتقديرها بمدة الحياة ولأن جابر روى أن النبي ( ص ) قال : ‘ أيما رجل أعمر له ولعقبه ‘ فإنها للذي يعطاها لا يرجع إلى الذي أعطاها ، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فجعل صحيح العطية بأن يجعله له ولعقبه ، فإذا لم يجعلها لعقبه لم يصح ، ولأنه تمليك عين قدر بمدة فوجب أن يكون باطلاً كما لو قال : بعتك داري هذه عمرك ، ولأنها عمرى مقدرة فوجب أن تكون باطلة كما لو قال : قد أعمرتكها سنة ، ولأنه إذا جعلها له مدة عمره فقد يحتمل أن يريد الرجوع إليه بعد موته فيبطل ، ويحتمل أن يريد أن يورث عنه فيصح ، فلم يجز أن يحمل على الصحة مع الاحتمال الفاسد .

والقول الثاني : وهو الصحيح وبه قال في الجديد وأكثر القديم أنها عطية جائزة وتمليك صحيح يكون للمعطى في حياته ثم لورثته بعد وفاته بقوله ( ص ) : ‘ لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أو أو أرقبه فهو سبيل الميراث ‘ ولرواية زيد أن النبي ( ص ) جعل العمرى للوارث ، ولما روي أن رجلاً من الأنصار أعمر أمه عبداً فلما توفيت نازعه الورثة فيه فقضى النبي ( ص ) به ميراثاً فقال الرجل يا رسول الله إنما جعلته لها عمرها فقال عليه السلام ‘ فذلك أبعد لك ‘ ولأن الأملاك المستقرة إنما يتقدر زمانها بحياة المالك ، ثم تنتقل بعد موته إلى ورثة المالك فلم يكن ما جعله له من الملك مدة حياته منافياً لحكم الأملاك وإذا لم تنافيه اقتضى أن يصح وإذا صح اقتضى أن يكون موروثاً فأما البيع إذا قال : بعتكها مدة حياتك فهو باطل .

والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : وهو فرق ابن سريج على هذا الشرط يقضي فسخاً منتظراً ، والبيع إذا كان فيه فسخ منتظر بطل ، والهبة إذا كان فيها فسخ منتظر لم تبطل كهبة الأب فلذلك بطل البيع بهذا الشرط ولم يبطل العمرى بهذا الشرط .