الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص526
وأما الجواب عن قوله لصاحب البدنة ‘ اركبها إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً ‘ فمن وجهين : أحدهما : أنه ليس المقصود من البدنة منافعها فجاز أن يعود إليه والمقصود من الوقف منافعه فلم يجز أن يعود إليه .
والثاني : أنه لما جاز في البدنة أن يأكل منها من غير شرط جاز أن يعود إليه منافعها ولا يجوز في الوقف أن يعود إليه شيء منه يعتبر شرط ، فكذلك لا يعود إليه بالشرط . وأما الجواب عن عتقه لصفية فهو أن العتق على عوض جائز والوقف على عوض غير جائز .
وأما سكنى عمر والزبير رضي الله عنهما وما وقفاه فقد يجوز أن تكون سكناهما بعد استطابة نفوس أربابه ، لأن نفس من وقف عليه لا يأتي إرفاق الوقف به ، ولو منعه لامتنع أو يكون قد استأجر ذلك من واقفه .
وأما الوقف العام فسنذكر من حكمه ما يكون جواباً عنه .
أحدهما : أن يقول : وقفته على نفسي ثم على الفقراء والمساكين ، ولا يجوز أن يكون وقفاً لنفسه ، وهل يبطل أن يكون وقفاً للفقراء والمساكين ؟ فعلى قولين :
أحدهما : أنه باطل ؛ لأنه فرع لأصل باطل .
والقول الثاني : جائز ؛ لأنهم صاروا فيه أصلاً عند بطلان الأصل فعلى هذا هل يستحقونه قبل موته أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنهم لا يستحقون إلا بعد موته اعتباراً بظاهر شرطه ويكون أحق بغلته منهم .
والوجه الثاني : أنهم يستحقون الوقف في الحال وإلا صار وقفاً بعد مدة ؛ ولأنه لو صارت الغلة إليه قبل موته لصار وقفاً على نفسه ومعمولاً فيه على شرطه .
وإن كان الوقف عاماً فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون منافعه مباحه كمرافق المسجد وماء البئر فهذا يكون فيه كغيره من المسلمين سواء شرط ذلك لنفسه أو لم يشترط استدلالاً بوقف عثمان رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام ‘ المسلمون شركاء ثلاث ‘ .
والضرب الثاني : أن تكون منافعه ليست على أصل الإباحة كثمار النخل والشجر فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يطلقه ولا يشترط لنفسه شيئاً منه كرجل وقف نخلاً على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وصار من جملتهم ، دخل فيه وجاز أن يأكل منها كأحدهم ؛ لأنه من جملتهم بوصفه لا بعينه فلم يكن ذلك وقفاً عليه ؛ لأنه على موصوفين لا على معنيين فيساوي من شاركه في حقه .