الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص518
بقائها المتصل ‘ احتراز من الطعام فإنه ينتفع به ولكنه سلف بالانتفاع . وقولنا ‘ المتصل ‘ احتراز من السمومات فإنه لا يتصل بقاؤها وإنما تبقى يوماً ويومين وثلاثة فقط ، ولأن كل ما جاز وقفه تبعاً لغيره جاز وقفه منفرداً كالشجرة لأنها وقف تبعاً للأرض وتوقف منفردة عنها ، ولأن المقصود من الوقف انتفاع الموقوف عليه وهذا المعنى موجود فيما عدا الأرض والعقار فجاز وقفه .
فأما الجواب عما ذكروه فهو أنه منتقض بالكراع والسلاح فإنه لا يثبت فيه الشفعة ويصح وقفه ، ثم إن الشفعة إنما اختصت بالأرض والعقار ، لأنه إنما تثبت لإزالة الضرر الذي يلحق الشريك على الدوام ، وإنما يدوم الضرر فيما لا ينفك وما ينفك فلا يدوم الضرر فيه فلهذا لم يثبت فيه الشفعة وليس كذلك الوقف ، لأنه إنما جاز الانتفاع الموقوف عليه ، وهذا المعنى موجود فيما ينفك ويحول إذا كان على الأوصاف التي ذكرناها فجاز وقفه إذا ثبت هذا فكل عين جاز بيعها وأمكن الانتفاع بها مع بقائها المتصل فإنه يجوز وقفها إذا كانت معينة ، فأما إذا كانت في الذمة أو مطلقة وهو أن يقول وقفت فرساً أو عبد فإن ذلك لا يجوز ، لأنه لا يمكن الانتفاع به ما لم يتعين ولا يمكن تسليمه ولهذا قلنا لا يجوز أن يبيع ثوباً مطلقاً لأنه لا يمكن تسليمه والإخبار عليه .
فأما الكلب فالذي نص عليه الشافعي أنه لا يجوز وقفه ، لأنه ليس بمال .
قال الماوردي : وهذا كما قال ألفاظ الوقف ستة : تصدقت ووقفت وحبست لأن التصدق يحتمل الوقف ويحتمل صدقة التمليك المتطوع بها ويحتمل الصدقة المفروضة فإذا قرنه بقرينة تدل على الوقف انصرف إلى الوقف وانقطع الاحتمال والقرينة أن يقول : تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة ، أو يقول صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث ، لأن هذه كلها تصرف إلى الوقف وكذلك إذا نوى الوقف انصرف إلى الوقف فيما بينه وبين الله تعالى لا يصير وقفاً من الحكم ، فإذا أقر بأنه نوى الوقف صار وقفاً في الحكم حينئذ كما قال أنت حل ونوى الطلاق وقع فيما بينه وبين الله تعالى فإذا أقرت بالنية وقع الطلاق في الحكم فأما إذا قال وقفت كان ذلك صريحاً فيه ، لأن الشرع قد ورد بها حيث قال ( ص ) لعمر : ‘ حبس الأصل وسبل الثمرة ‘ وعرف الشرع بمنزله عرف العادة فأما إذا قال حرمت وبدت ففيه وجهان :
أحدهما : أنهما كنايتان لأنه ما ورد بهما لأنهما لا يستعملان إلا في الوقف ولا يحتملان شيئاً آخر فإذا قلنا إنهما صريحان فيه فالحاكم على ما ذكرنا وإذا قلنا كنايتان فلا بد من القرينة أو النية على ما ذكرنا فيما هو كناية من ألفاظه والله أعلم .