الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص515
صدقته حتى قبضه الله عز وجل ولم تزل فاطمة عليهما السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله ، فدل ذلك على أن الوقف يلزم قبل القبض ، فأما ما ذكره المخالف فهو أنا لا نسلم أنه عطية ، لأن الوقف بمنزلة العتق ، والعتق والعقد لا يسمى عطية ، فكذلك الوقف ، ثم المعنى في الأصل إن ذل تمليك بدليل أن الموهوب له يملك التصرف في الموهوب بالبيع وغيره ، وليس كذلك الوقف ، لأنه ليس بتمليك بدليل أن الموقوف عليه لا يملك التصرف فيه ببيع ولا غيره .
وإن الجواب عما ذكروه فهو أن المراد به التحبيس ذكره أبو العباس ، فإذا ثبت أن ملك الواقف يزول عن الموقوف فهل يزول إلى الموقوف عليه فيملكه أو ينتقل ملكه إلى الله تعالى ؟ اختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة طرق منهم من قال المسألة على قولين :
أحدهما : أن الملك ينتقل إلى الله تعالى ولا ينتقل إلى الموقوف عليه والذي يدل عليه من كلام الشافعي في هذا الباب أنه قال : كما يملك المحبس عليه منفعة المال لا رقبته .
والقول الآخر : أنه ينتقل إلى الموقوف عليه ، والذي يدل عليه من كلام الشافعي أنه ذكر من كتاب الشهادات أن الرجل إذا أوعى وقفاً عليه فأقام شاهداً أو أحداً حلف معه ، وهذا يدل على أن الملك قد انتقل إليه وخالف ذلك العتق ، لأنه لا يقبل فيه اليمين والشاهد ، فلو ادعى العبد أن سيده أعتقه وأقام على ذلك شاهداً واحداً لم يحلف معه فإذا تقرر القولان ، فإن قال إنه ينتقل الملك إلى الموقوف عليه فوجهه أن الوقف لا يخرج الموقوف عن المالية ، ألا ترى أنه يطعن بالغصب ويثبت عليه اليد وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه ، وذلك لا يدل على أنه ما ملكه لأن السيد لا يبيع أم الولد وهي ملك له ، وإذا قلنا : إن الملك ينتقل إلى الله تعالى ، فوجهه أنه إزالة ملك عن الرقبة والمنفعة على وجه التقرب إلى الله تعالى فوجب أن ينتقل الملك إليه كالعتق .
والجواب عن دليل القول الأول هو أنه ينتقض بحصير المسجد فإنها تضمن باليد وليست ملكاً لأحد من الآدميين وأما الطريقة الثانية من أصحابنا من قال أن الملك ينتقل إلى الله تعالى قولاً واحداً كما ذكر الشافعي ها هنا وما ذكروه في الشهادات من قبول الشاهد واليمين على الوقف فإن ذلك لا يدل على أن الملك قد انتقل إلى الموقوف عليه ، لأن الوقف وإن كان ينتقل ملكه إلى الله تعالى فإن المقصود به انتفاع الموقوف عليه فإن كان داراً