الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص380
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا ساقى أحد الشريكين في النخل صاحبه على أن للعامل الثلث من جميع الثمرة كانت المساقاة فاسدة ، لأن المساقاة عقد معاوضة توجب استحقاق عوض في مقابلة عمل ، فإذا شرط إسقاط العوض فيها نافى موجبها ، فبطلت ، والعامل إذا شرط ثلث الثمرة فقد أسقط ثلث ما يستحقه بالملك ، لأنه قد كان يستحق النصف ، فاقتصر على الثلث ، وصار باذلاً لعمله بغير بدل .
فإذا بطلت المساقاة بما ذكرت وجب أن تكون الثمرة بينهما نصفين بالملك قال المزني : ولا أجرة للعامل في عمله ، لأنه لما بذل العمل على غير بدل صار متطوعاً به وبهذا قال أبو إسحاق المروزي ، وجمهور أصحابنا .
وقال أبو العباس بن سريج : له أجرة مثله لأنها مساقاة فاسدة ، والعقد الفاسد يحمل في وجوب العوض على حكم الصحيح ، وإن شرط فيه إسقاط البدل . ألا ترى أنه لو باعه ثوباً بخمر أو خنزير كان ضامناً لقيمته ، وإن لم يكن للخمر والخنزير قيمة ، لأن عقد البيع موجب لاستحقاق العوض ، وهكذا لو قال بعتك هذا الثوب على أن لا ثمن عليك كان المشتري ضامناً لقيمته ، وإن شرط سقوط العوض ، لأن البيع موجب للضمان وهكذا لو قال أجرتك هذه الدار على أن أجرة عليك ضامناً للأجرة اعتباراً بحال العقد دون الشرط ، كذلك في المساقاة .
وهذا الذي قاله أبو العباس ، وإن كان له وجه ، فالفرق بينه وبين المساقاة ممكن ، وهو أن مشتري الثوب على أن لا ثمن عليه ومستأجر الدار على أن لا أجرة عليه ، هما المستهلكان ملك غيرهما ، فضمنا العوض مع ما شرط من شروط العوض تغليباً لحكم العقد ، وفي المساقاة هو المستهلك عمل نفسه ، فغلب فيه حكم التطوع بالشرط على حكم العقد .
قال الماوردي : وصورتها في نخل بين شريكين بالسوية ساقى أحدهما صاحبه على أن يعملا فيها جميعاً ، على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين فهذه مساقاة باطلة لعلتين :