الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص358
ولأن المساقاة إجارة على عمل جعلت الثمر فيه أجرة ، والأجرة لا تصح إلا أن تكون معينة ، أو ثابتة في الذمة ، وما تثمره نخل المساقاة غير معين ، ولا ثابتة في الذمة ، فوجب أن تكون باطلة .
ولأن ما منع من المساقاة فيما سوى النخل والكرم من الشجر من جهالة الثمر منع منها من النخل والكرم لجهالة الثمر .
ودليلنا رواية الشافعي رضي الله عنه عن مسلم بن خالد بن عبد الله بن عمر يحدث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه ‘ أن رسول الله ( ص ) حين افتتح خيبر قالت اليهود نحن نقوم لكم بالعمل في النخل ، قال فدفع رسول الله ( ص ) إليهم يعملونها ويقومون بها على أن لرسول الله ( ص ) شطر الثمر ولهم الشطر ، فكان رسول الله ( ص ) يبعث من يخرصها عليهم ، فيأخذونها ويؤدون الشطر ‘ .
وروى الشافعي رضي الله عنه عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله ( ص ) قال لليهود حين افتتح خيبر : ‘ أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم ‘ وكان رسول الله ( ص ) يبعث عبد الله بن رواحة ، فيخرص بينه وبينهم ، ثم يقول : ‘ إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ‘ فكانوا يأخذونه .
فدلت مساقاة النبي ( ص ) لأهل خيبر – وإن كانت مستفيضة يستغني عن نقل – على جواز المساقاة على نخل . اعترضوا على الاستدلال بهذا الخبر من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن النبي ( ص ) عقدها على أن يقرهم ما أقرهم الله تعالى ، والمساقاة لا تصح على هذا الوجه حتى تعقد على مدة معلومة والجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن النبي ( ص ) إنما عقده على هذا لأن النسخ في زمانه ممكن ، وعلمه بما أقرهم الله تعالى مثاب ثم نسخ هذا الشرط ، ونسخ بعض شرائط الشيء لا يوجب نسخ باقية ، والجواب الثاني أن النبي ( ص ) إنما شرط ذلك في عقد الصلح لا في عقد المساقاة ، فإن قيل فلم يذكر المدة قيل إنما اقتصر الراوي على نقل ما يدل على صحة العقد ، ولم ينقل شروط العقد .
والسؤال الثاني : إن قالوا : إن أهل خيبر عبيد يسترقون لا تصح مساقاتهم ، وإنما هي مخارجة ، ألا ترى أن النبي ( ص ) اصطفى صفية من سبيهم ، وعليه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن النبي ( ص ) صالحهم على إقرار الأرض والنخل معهم وضمنهم شطر الثمرة ، وصلح العبيد وتضمينهم لا يجوز .
والثاني : أن عمر رضي الله عنه أجلاهم عن الحجاز ، وأجلاء عبيد المسلمين لا يجوز .
والثالث : أنهم لو كانوا عبيداً لتعين مالكوهم ، ولاقتسموا رقابهم فأما صفية فإنها كانت من الذرية دون المقاتلة .