الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص274
وأبو حامد الإسفراييني أراد به أبا حنيفة في الدار أن تكون على طريق نافذة فلا شفعة في حقها من الطريق من مسلك أو فناء ، وهذا إجماع ، لأنه غير مملوك العين وإنما هو مستحق المنفعة ولا شفعة بهذا الطريق فيما جاور أو قابل بخلاف قول أبي حنيفة ؛ لأنه لما لم يستحق فيه الشفعة فأولى أن لا يستحق به الشفعة ، وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي الطبري : أراد به مالكاً في الدار يكون لنا طريق مستحق في دار أخرى من غير ملك في التربة فلا شفعة في هذا الطريق وحدها ؛ لأنها منفعة مستحقة وليست عيناً مملوكة ، ولا شفعة بهذا الطريق فيما هو مستحق فيه من الأرض ولا لهذه الأرض شفعة فيما يستحق له بهذا الطريق ، بخلاف قول مالك فإنه جعل الشفعة بهذا الطريق واجبة لكل واحدة من الدارين في الأخرى وبه قال أبو العباس بن سريج استدلالاً برواية أبي سلمة عن جابر قال : ‘ إنما جعل رسول الله ( ص ) الشفعة في كل مالٍ لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ‘ . فدل على أن ما لم تصرف فيه ففيه الشفعة ، ولأنه قد يتأذى بسوء الاستطراق كما يتأذى بسوء الاشتراك فاقتضى أن يستحق الشفعة بها كما يستحق بأحدهما وهذا خطأ ، لرواة أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها ‘ ولأن المنافع المستحقة في الأملاك لا توجب الشفعة كالإجارة .
ولأن تمييز الأملاك يمنع من استحقاق الشفعة كصرف الطرق ولأن ما لا يملك فيه الشفعة فأولى أن لا تملك به الشفعة .
فأما الجواب عن قوله ( ص ) : ‘ إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ‘ فهو أنه ليس ارتفاع الشفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق دليلاً على ثبوت الشفة بوقوع الحدود وبقاء الطرق وإنما يحتاج إلى طلب الدلالة عليه ، وقد روي أنه قال : ‘ فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ‘ فنستعمل الخبرين فنقول إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة بالخبر الأول ، وإذا وقعت الحدود ولم تصرف الطرق فلا شفعة بالخبر الثاني كما روي أنه قال : ‘ من مس فرجه أو أنثييه توضأ ‘ .
وروي ‘ من مس فرجه توضأ ‘ وقد قيل : إنما ذكر صرف الطرق لئلا يقول قائل : إن الطريق المملوكة تبطل الشفعة فيها لبطلانها في المحدود عنها ، فأثبتت الشفعة في الطريق مع بطلانها في الأصل ، وأما التأذي بسوء الاستطراق فليس مجرد الأذى علة في استحقاق الشفعة ما لم ينضم إليه الخوف من مؤونة القسمة ، وقد مضى ذلك في غير موضع . والله أعلم .