پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص209

المضمونة كحفر البئر وفتح القفص سبب للتلف فوجب أن يتعلق به الضمان ولأن كل ما يتعلق به الضمان مع اتصاله بسببه جاز أن يتعلق به الضمان مع انفصاله عن سببه كالجارح يضمن أن تعجل التلف أو تأجل .

ودليلنا هو أن للحيوان اختيار يتصرف به كما يشاهد عياناً من قصده لمنافعه واجتنابه لمضاره ، ثم لما قد استقر حكماً من تحريم ما قد صاده باسترساله وتحليل ما صاده باسترسال مرسله فإذا اجتمع السبب والاعتبار تعلق الحكم بالاختيار دون السبب كملقي نفسه مختاراً في بئر يسقط الضمان باختياره عن حافر البئر وطيران الطائر باختياره لأنه غير ملجأ وقد كان يجوز بعد فتح القفص ألا يطير فوجب إذا طار بعد الفتح أن لا يتعلق بالفتح ضمان ، ولأن طيران الطائر بفتح القفص كهرب العبد المحبوس إذا فتح عنه الحبس فلما كان فاتح الحبس عن العبد المحبوس لا يضمنه إن هرب فكذلك فاتح القفص عن الطائر لا يضمنه إن طار ، ولأن مثابة من فتح القفص عن الطائر حتى طار بمثابة من هتك حرز مال حتى سرق ، ثم كان لو فتح باب داراً فيها مال فسرق لم يضمنه فكذلك القفص إذا فتح بابه حتى طار طائره لم يضمنه ؛ ولأن فتح القفص يكون تعدياً على القفص دون الطائر بدليل أنه لو مات الطائر في القفص بعد فتحه لم يضمنه قط وما انتفى عنه التعدي لم يضمن به .

فأما الجواب عن استدلالهم بأن أسباب التلف مضمونة كحافر البئر يضمن ما سقط فيها فهو أنهما سواء وذاك أن من طابع الحيوان توقي التالف فإذا سقط في البئر دل على أن سقوطه بغير اختياره فضمن الحافر ولو علمنا أنه سقط باختياره بإلقاء نفسه عمداً سقط الضمان عن الحافر والطير مطبوع على الطيران عند القدرة إلا في أوقات الاستراحة فإذا طار دل على أن طيرانه باختياره فسقط الضمان عن فاتح القفص ولو علمنا أنه طار بغير اختياره بالإلجاء والتنفير وجب الضمان على فاتح القفص فكان سواء . فأما استدلالهم باستواء الأسباب فيما تعجل بها التلف أو تأجل فلأصحابنا في ضمانه إذا طار عقب الفتح وجهان :

أحدهما : لا يضمنه فعلى هذا سقط السؤال .

والثاني : يضمنه فعلى هذا يكون الفرق بين أن يطير في الحال فيضمن وبين أن يطير بعد زمان فلا يضمن هو أن الطير مطبوع على النفور من الإنسان فإذا طار في الحال علم أنه طار لنفوره منه فصار كتنفيره إياه وإذا لبث زماناً لم يوجد منه النفور فصار طائراً باختياره والله أعلم بالصواب .

فصل

: فإذا أمر طفلاأوً مجنوناً بإرسال طائر في يده فطار فهو كفتحه القفص عنه في أنه نفره أو أمر الطفل بتنفيره ضمنه ، وإن لم ينفره ولبث زماناً لم يضمنه وإن طار في الحال فعلى وجهين .