الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص127
قال الماوردي : وهذا كما قال اعلم أن إعارة الأرض للزرع والغرس والبناء جائز . لأنها منفعة يصح أن تملك بالإجارة فصح أن تملك بالإعارة كالسكن وإذا كان كذلك فلا يخلو حال من أعار أرضاً من أحد أمرين : إما أن يعين المنفعة أو لا يعين عليها فإن لم يعين عليها صحت العارية وكانت محمولة في الانتفاع بها على العادة الجارية في مثلها ولا يصح إطلاق الإجارة إلا أن يعين على المنفعة خصوصاً وعموماً والفرق بينهما أن في الإجارة عوضاً تنتفي عنه الجهالة ولذلك لزم تقدير المنفعة بالمدة وليس في العارية عوض فلم يمتنع فيه الجهالة كما لا يمتنع إطلاق المدة وإن عين المعير على المنفعة فلا يخلو من أن يعم أو يخص فإن عم فقال قد أعرتك لتصنع ما شئت من غرس أو بناء أو زرع فأيهما فعل جاز ، وكذلك لو جمع بين سائرها وإن خص فله ثلاثة أحوال : أحدها أن يأذن له في الزرع فله أن يزرع وليس له أن يغرس ولا أن يبني لأن الغرس والبناء أضر للأرض من الزرع . وقد قال النبي ( ص ) لا ضرر ولا ضرار فلو غرس أو بنى كان متعدياً وللمعير أن يأخذه بقلع غرسه وبنائه وبأجرة المثل كالغصب .
والحالة الثانية : أن يأذن له في الغرس فله أن يغرس ويزرع لأن ضرر الزرع أقل من ضرر الغرس وفي جواز البناء وجهان :
أحدهما : يجوز لأن البناء كالغرس في الترك والضرر .
والوجه الثاني : لا يجوز لأن البناء أدوم من الغرس وأبقى فكان ضرره أكثر .
والحالة الثالثة : أن يأذن له في البناء فله أن يبني ويزرع ويغرس لأن البناء أبقى فكان ضرره أعم .
أحدهما : يجوز أن يعير كما يجوز للمستأجر أن يؤجر والوجه الثاني : لا يجوز أن يعير وهو الصحيح لأنه مخصوص بإباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها لغيره كما لو أبيح أكل لم يجز أن يبيحه لغيره فعلى هذا إن قلنا بجواز ذلك على الوجه الأول كان للمعير الأول والثاني أن يرجع على المستعير الثاني فإن رجع بها المعير الأول بطلت العاريتان معاً وإن رجعا بها المعير الثاني كانت العارية الأولى على حالها وإن قلنا ببطلان ذلك على الوجه الثاني كان المستعير غاصباً للإعارة واستحق المعير المالك المطالبة بالأجرة ، وهو بالخيار بين مطالبة الثاني بها أو الأول . فإن أخذها من الأول فهل له الرجوع بها على الثاني أم لا ؟ على قولين ، وهكذا لو أخذها من الثاني فهل يرجع بها على الأول أم لا على قولين : بناء على اختلاف