الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص370
والصلح على الإنكار محرم للحلال ومحل للحرام لأنه يحل المعاوضة على غير حق ثابت وذلك حرام . ويحرم على المدعي باقي حقه وذلك حلال .
ولأنه صلح على مجرد الدعوى فوجب أن يكون باطلا كما لو ادعى قتل عمد فصولح عليه مع الإنكار . ولأنه اعتاش عن حق لم يثبت له فوجب أن لا يملك عوضه . أصله إذا ادعى وصية فصولح بمال . ولأنه صالح من لم يعلم صدقه فوجب أن لا يصح كما لو علم كذبه .
ولأنه نوع معاوضة لا يصح مع الجهالة فوجب أن لا يصح مع الإنكار كالبيع .
ولأن الصلح لما لم يجز على مجهول الوصف فأولى أن لا يجوز على مجهول العين .
ولأن المبذول بالصلح لا يخلو من أربعة أحوال :
[ الأول ] : إما أن يكون مبذولا لكف الأذى .
[ الثاني ] : أو يكون مبذولا لقطع الدعوى .
[ الثالث ] : أو يكون مبذولا للإعفاء من اليمين .
[ الرابع ] : أو يكون مبذولا للمعاوضة . فلم يجز أن يكون مبذولا لدفع الأذى لأنه من أكل المال بالباطل . ولم يجز أن يكون لقطع الدعوى لما فيه من اعتبار ما يمنع من الربا وهو : إذا كان الحق ألفا لم يجز أن يصالحه على أكثر منها . ولو كان دراهم صولح عليها بدنانير لم يجز أن يفارقه قبل قبضها ولو كان لقطع الدعوى لجاز الافتراق . ولم يجز أن يكون للإعفاء من اليمين لما ذكرنا من الأمرين فثبت أنه مبذول للمعاوضة .
والمعاوضة تصح مع الإقرار وتبطل مع الإنكار ، لأن ما لم يجب من الحقوق لم يجز المعاوضة عليه .
فأما الجواب عن استدلالهم [ بالآية فهو أنها مخصوصة بما ذكرنا من الدلائل .
وأما الجواب عن استدلالهم بقوله عليه السلام ] ‘ كل مال وفى المرء به عرضه فهو صدقة ‘ . فهو أن يكون المقصود به البر لأن بذل المال لا يخلو المقصود به من ثلاثة أحوال :
[ الأول ] : إما أن يقصد به القربة وهو الصدقة .
[ الثاني ] : أو الصلة وهو الهبة .