الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص114
العسل فيها فتحلو ، وتارة بإلقاء الخل فيها فتحمض فلما كان زوال الشدة إذا حلت بإلقاء العسل فيها لا يوجب إباحتها وتطهيرها وجب أن يكون زوال الشدة إذا حمضت بإلقاء الخل فيها لا يوجب إباحتها وتطهيرها وتحرير ذلك قياسا :
أنه أحد نوعي فعل تزول به الشدة فوجب ألا تقع به الإباحة كزوالها بالحلاوة .
وكان الإسفراييني يعتمد في هذه المسألة على أن الخل إذا ألقي في الخمر فقد نجس بملاقاة الخمر فلا يطهر بانقلابها خلا لنجاسة ما ألقي فيها من الخل كما لو كان الخل نجسا من قبل ويزعم أن هذا فقه المسألة وأقوى دلائلها وهذا ليس بصحيح لأنه لا دليل في المسألة أو رهن منه لظهور فساده بكل ما تقع الطهارة به لأن الماء وهو أقوى الأشياء في التطهير ينجس بملاقاة النجاسة إذا ورد عليها ولا يمنع من إزالتها وطهارة محلها . والأحجار تنجس في الاستنجاء بملاقاة النجاسة في محلها ولا تمنع إزالة حكمها .
والشث والقرظ في الدباغ ينجس بملاقاة جلد الميتة ولا يمنع من تطهيره ولو كان هذا كله نجسا قبل الملاقاة لم تقع به الطهارة فما المانع أن يكون حكم الخل كذلك .
فأما الجواب عن قوله عليه السلام ‘ نعم الإدام الخل ‘ فمن وجهين :
أحدهما : أن قوله ‘ نعم ‘ لفظ تفضيل وتشريف ، وما كان مختلفا في إباحته لا يستحق التفضيل والتشريف وتخليل الخمر مختلف فيه فلم يجز أن يكون داخلا في عموم لفظ ينافيه .
والجواب الثاني : أن قوله قصد به إباحة الجنس والجنس مباح فلم يجز إذا اختلف في تنجيس البعض لمعنى أن يجعل دليلا فيه كما لا يجعل دليلا في طهارة ما طرأت عليه النجاسة .
وأما الجواب عن قوله : يحل الدباغ الجلد كما يحل الخل الخمر مع ضعفه فإنه محتمل لأمرين :
أحدهما : أنه أراد الخل الذي قد استحالت إليه .
والثاني : أنه أراد خلا ألقي فيها . . . فكان حمله على الأول أولى من حمله على هذا لأن بإلقاء الخل فيها لا تطهر إجماعا حتى تستحيل مع ذلك خلا وهذه زيادة في الطهارة فكان الأول أولى .
وأما قياسهم على الدباغ في جلد الميتة فباطل بلحم الميتة لأنه لا سبيل إلى طهارته وإن كانت نجاسته لعارض . ثم المعنى في دباغ جلد الميتة أنه يستباح بفعل غير محظور فجاز أن يطهر به ولما كان التخليل محظورا لم يجز أن يطهر به .