الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص20
يكون في موضعين : إما في البيع ، وهو أن يقول : بعتك عبدي هذا بألف على أن تعطيني دارك رهنا . أو في القرض ، وهو أن يقول : قد أقرضتك هذه الألف على أن تعطيني عبدك رهنا ، فيصير الرهن معقودا مع ثبوت الدين من غير تقدم عليه ولا تأخر عنه . فهذا أيضا رهن جائز ، لأن كل وثيقة صحت بعد ثبوت الدين صحت مع ثبوت الدين كالشهادة .
فإذا ثبت انعقاد الرهن ، فالراهن بالخيار بين إقباض الرهن ، وبين منعه . فإن أقبض الرهن ، فلا خيار للمرتهن البائع ، وإن منع إقباضه كان المرتهن بالخيار بين إمضاء البيع بلا رهن ، وبين فسخه ، ولا يجبر الراهن على إقباضه وإن كان مشروطا في بيع .
وقال أبو حنيفة يجبر الراهن على إقباضه إذا كان مشروطا في بيع ، ولا يكون مخيرا فيه لأنه بالشرط قد صار صفة لعقد لازم ، فوجب أن تجري عليه أحكام العقد في اللزوم كالخيار والأجل .
ودليلنا : هو أنها وثيقة لا يجبر عليها بعد ثبوت الدين ، فوجب ألا يجبر عليها مع ثبوت الدين كالشهادة والضمان .
ولأن كل دين لا يجبر فيه على إقامة ضمين ، لم يجبر فيه على إقباض رهن .
أصله : الدين المستقر بغير ضمين ولا رهن .
فأما قوله : إن الرهن قد صار بالشرط صفة للبيع ، فوجب أن يلزم كالخيار والأجل ، فغير صحيح ، لأن الخيار والأجل ، لا يصح انفرادهما عن العقد أن يصيرا صفة للعقد . والرهن عقد على حاله ، فوجب أن ينفرد بحكمه ، ولا يصير صفة لغيره .
وقال أبو حنيفة : تقدم الرهن والضمان على ثبوت الدين جائز لجوازه بعد ثبوته استدلالا بقوله تعالى : ( فرهان مقبوضة ) [ البقرة : 283 ] .
فجعل لزوم الرهن بالقبض من غير أن يشترط فيه تقدم الحق ، فدل على استواء حكمه قبل ، وبعد .
ولو كان تقدم الحق شرطا في صحته لقيد الرهن به ، كما قيده بالقبض .
قال : ولأن الرهن عين هي وثيقة للبائع في الحق ، فلم يمتنع تقدمها على الحق كالبائع