پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص347

وللحديث سبب محمول عليه وهو ما ذكره الشافعي وبينه من أن أهل البادية كانوا يجلبون السلع فيبيعونها بسعر يومهم لما يلحقهم من المؤونة في حبسها والمقام عليها فيشتريها أهل المدينة ويصيبون من أثمانها فضلا إذا أمسكوها ، فعمد قوم من سماسرة الأسواق فتربصوا للبادية بأمتعتهم حتى إذا انقطع الجلب باعوها لهم بأوفر الأثمان فشكى ذلك إلى رسول الله ( ص ) أو بلغه ذلك من شكوى فنهى عن غير ذلك وقال لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض .

فإما أن يكون الحديث محمولا على ظاهره كما قال أنس ومن تابعه فلا ، لما في استعمال النهي لو عم من الإضرار بأهل البادية إذا امتنع أهل الحضر من بيع أمتعتهم ، وإضرار الحاضر من انقطاع الجلب من البادية فيفضي إلى الإضرار بالفريقين جميعا .

فإن قيل فقد روى سالم المكي أن أعرابيا حدثه أنه أقدم بجارية على عهد رسول الله ( ص ) فنزل على طلحة بن عبيد الله فقال : إن النبي ( ص ) نهى أن يبيع حاضر لباد ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك وأنهاك .

قالوا : فدل ذلك من طلحة على عموم النهي . قيل قد يحتمل أن يكون طلحة رضي الله عنه لم يقف على السبب المنقول وسمع النهي المطلق فحمله على ظاهره أو يكون أحب أن يتولى ذلك بنفسه فوكله إلى غيره . ألا ترى أنه أرشده إلى السوق ، ومعلوم أن من يتولى بيعها له في السوق حاضر أيضا .

وأما من ترك الحديث وجعله مفسوخا فهو تارك لسنة بغير حجة والله أعلم .

فصل :

فإذا ثبت أن النهي محمول على السبب المذكور فهو مختص بأربعة شرائط :

أحدها : أن لا يكون للبدوي عزم على المقام .

والثاني : أن يريد بيعها في الحال ولا يريد التأخير والانتظار .

والثالث : أن يبدأه الحضري فيشير عليه بترك السلعة من غير أن يكون للبدوي في ذلك رأي .

والرابع : أن يكون البلد لطيفا يضر بأهله حبس ذلك المتاع عنهم .

فإذا اجتمعت هذه الشروط الأربعة تعين النهي وحرم البيع .

فإذا خالف الحضري النهي وباع المتاع كان البيع جائزا وهو بالنهي عاص إن كان بالحديث عالما .

وإنما صح البيع لأن النهي لمعنى في العاقد دون المعقود عليه ولأن النبي ( ص ) قال :