الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص339
وقال أبو حنيفة ومالك يجوز بيع الأعمى وشراؤه استدلالا بعموم قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) [ البقرة : 275 ] .
وبأنه إجماع الصحابة : وهو أن العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر كانوا يتبايعون ويشترون فلم ينكر ذلك عليهم أحد من الصحابة . فدل على أنهم مجمعون عليه .
ولأن كل من صح منه التوكيل في البيع صح منه عقد البيع كالبصير .
ولأن كل عقد جاز أن يقبله البصير جاز أن يقبله الضرير كالنكاح .
ودليلنا نهي رسول الله ( ص ) عن الغرر ، وعقد الضرير من أعظم الغرر .
ولنهيه ( ص ) عن بيع الملامسة ، وبيع الضرير أسوأ حالا منه .
ولأنه بيع مجهول الصفة عند العاقد فوجب أن يكون باطلا ، كما لو قال : بعتك عبدا أو ثوبا . ولأنه بيع عين فوجب أن يكون لفقد الرؤية تأثير فيه كالبصير فيما لم يره .
فأما استدلالهم بعموم الآية فمخصوص بما ذكرنا .
وأما نقلهم الإجماع فغير صحيح لأنه لا نقل معهم أن هؤلاء باشروا عقد البيع بعد العمى . ولو نقلوه لم يكن إجماعا لأن ترك الإنكار لا يكون رضا .
وأما قياسهم على البصير فالمعنى في صحة بيعه حصول مشاهدته ، والأعمى مفقود المشاهدة .
وأما قياسهم على النكاح فالمعنى فيه أنه لما لم يكن للرؤية تأثير فيه صح من الأعمى ولما كان للرؤية تأثير في المنع لم يصح من الأعمى .
فأما قول المزني : يشبه أن يكون أراد الشافعي إلى آخر كلامه ، فكأن المزني يذهب إلى أن الأعمى لا يصح منه عقد السلم إلا أن يكون بصيرا قد عرف الألوان ثم عمي .
فأما الأكمه الذي خلق أعمى فلا يصح منه السلم لجهله بالألوان .
وخرج مذهب الشافعي كذلك . واختلف أصحابنا فكان بعضهم يحمل الأمر على ما قاله المزني . وذهب جمهورهم إلى من عقد السلم في عقد السلم بين الأعمى الذي كان بصيرا وبين من خلق أعمى لم يبصر ، لأن من خلق أعمى وإن لم يعرف الألوان فهو يعرف أحكامها ، ويعلم اختلاف قيم الأمتعة باختلاف ألوانها ، وأن الحنطة البيضاء أجود من الحنطة