الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص272
يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه حتى يسميه للبائع ويقفه عليه تقليدا وأن الحيوان يفارق ما سواه وقال في اختلافه ومالك ولو ذهب ذاهب إلى أن من باع بالبراءة برئ مما علم ومما لم يعلم لكان مذهبا يجافيه حجة .
واختلف أصحابنا لاختلاف نصه على ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن خيران : أن المسألة على قول واحد وهو أن يبرأ في الحيوان من كل عيب لم يعلمه دون ما علمه ولا يبرأ في غير الحيوان من عيب أصلا سواء علمه أو لم يعلمه .
والمذهب الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أنه يبرأ في الحيوان مما لم يعلمه دون ما علمه ولا يبرأ في غيره الحيوان مما علمه وهل يبرأ مما لم يعلمه على قولين .
والمذهب الثالث : وهو قول أبي العباس بن سريج وأبي سعيد الإصطخري وأبي حفص بن الوكيل : أن المسألة على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه يبرأ من كل عيب علمه أو لم يعلمه في الحيوان أو في غير الحيوان وهذا قول أبي حنيفة .
والقول الثاني : أنه لا يبرأ من عيب أصلا سواء علمه أو لم يعلمه في الحيوان وغيره .
والقول الثالث : أنه يبرأ في الحيوان مما لم يعلمه دون ما علمه ولا يبرأ في غير الحيوان لا مما يعلمه ولا مما لم يعلم .
فإذا قيل بالأول أنه يبرأ من كل عيب وهو قول أبي حنيفة فوجهه قول رسول الله ( ص ) : ‘ المؤمنون عند شروطهم ‘ ولما روي أن رجلين اختصما إلى رسول الله ( ص ) في مواريث قد درست وتقادمت فقال لهما النبي ( ص ) : ‘ إنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم ألحن بحجته فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من النار ‘ فبكيا وقال كل واحد منهما قد تركت حقي لصاحبي فقال ( ص ) : ‘ لا ولكن اقتسما واستهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه ‘ فلما أمرهما بالتحلل من المواريث المتقادمة المجهولة دل على جواز الإبراء من المجهول . ولأن الإبراء إسقاط حق فصح مجهولا ومعلوما كالعتق ولأن ما لا يفتقر إلى التسليم يصح مع الجهالة وما يفتقر إلى التسليم لا يصح مع الجهالة كالبيع فلما كان الإبراء لا يفتقر إلى التسليم صح في المجهول . وإذا قيل بالثاني أنه لا يبرأ من عيب فوجهه ‘ نهى رسول الله ( ص ) عن الغرر ‘ والإبراء عن المجهول غرر لأنه لا يقف له على قدر ولأن الإبراء كالهبة غير أن الإبراء يختص بما في الذمة والهبة بالأعيان القائمة فلما لم تصح هبة المجهول