الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص221
ملكه عنه بالبيع ، وتحرير ذلك علة أنه أحد نوعين ما يزيل به الملك فجاز فيما لم يقبض كالعتق .
ثم انفرد أبو حنيفة مستدلا لمذهبه بأن قال : حقيقة القبض هو النقل والتحويل فيما يمكن نقله وتحويله تنتفي عنه حقيقة القبض فاقتضى أن لا يكون لقبضه تأثير في جواز التصرف فيه بالبيع وغيره ، قال : ولأن ما لا ينقل مأمون الهلاك ، فلا يلحق العقد فسخ بتلفه في يد بائعه ، فجاز بيعه للأمن من فسخه ، وتحرير ذلك قياسا أنه مملوك بعقد لا يخشى انفساخه بهلاكه فوجب أن يجوز تصرفه فيه بالبيع وغيره كالمقبوض ولأنه مملوك مأمون الفساد فجاز بيعه قبل قبضه كالميراث .
ولأن المشتري يزيل ملكه بالبيع كما يزال ملكه بالشفعة فلما جاز أخذه بالشفعة قبل القبض جاز بيعه قبل القبض ، وتحرير ذلك قياسا أنه عقار ملك على المشتري بعوض فلم يمنع منه تأخر القبض كالشفعة .
ودليلنا رواية عبد الله بن عصمة أن حكيم بن حزام حدثه أنه قال : يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم ؟ قال : ‘ إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه ولا تبع ما ليس عندك ‘ . فكان هذا النهي عاما في كل مبيع ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر أن النبي ( ص ) نهى عن ربح ما لم يضمن ‘ .
والمبيع قبل القبض غير مضمون على المشتري بدليل أن ما حدث به من عيب يستحق به المشتري الفسخ لأنه من ضمان البائع ، ثم قد منعه النبي ( ص ) من طلب الربح فيه بالبيع وروي أن النبي ( ص ) ‘ لما بعث عتاب بن أسيد إلى مكة قال له : ‘ انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا ‘ وهذا نص ولأنه بيع ما لم يقبضه المشتري فوجب أن لا يجوز له بيعه كالمطعوم مع مالك ، والمنقول مع أبي حنيفة ، ولأن ملك المبيع لا يستقر إلا بالقبض بدليل قوله تعالى : ( وذروا ما بقي من الربا ) [ البقرة : 278 ] ففصل بين ما قبض فلم يوجب رده لاستقرار ملكه وبين ما لم يقبض فأوجب رده لعدم ملكه ، ولأن الصرف يزول فيه ملك المشتري بتأخر القبض ، وإن لم يستقر الملك على ما لم يقبض لم يجز بيعه لأن بيع ما لم يستقر ملكه باطل ولأن بيع ما لم يقبض غير مقدور على تسليمه وبيع ما لا يقدر على تسليمه باطل كالعبد الآبق والجمل الشارد ، وعلى أبي حنيفة خاصة أن كل حكم كان القبض فيه معتبرا بالنقل والتحويل إن كان منقولا كان القبض فيه معتبرا بالتخلية والتمكين ، إن لم يكن منقولا . أصله تمام الهبة ولزوم الرهن