الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص79
دل على أن المراد بهذا الحديث من المعنيين المحتملين التقابض قبل الافتراق لأمرين :
أحدهما : أن راوي الحديث إذا فسره على أحد معنيين كان محمولا عليه .
والثاني : أن في تكليف الناس الإعطاء بيد والأخذ بأخرى مشقة غالبة والشريعة موضوعة على التوسعة والسماحة فامتنع أن يكون هذا مرادا .
ثم الدليل على ذلك من طريق المعنى : أنه عقد معاوضة يمنع من ثبوت الأجل فوجب أن يمنع من التفرق قبل القبض كالصرف ولأن كل ما كان شرطا معتبرا في عقد الصرف كان شرطا معتبرا فيما دخله الربا من غير الصرف كالأجل .
وأما الجواب عن قياسهم على بيع الثياب بالثياب فمنتقض بالسلم حيث لزم فيه القبض ثم المعنى في بيع الثياب بالثياب عدم الربا فيها فجاز تأخير قبضهما وما ثبت الربا فيه لم يجز تأخير قبضه كالصرف .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن القبض إنما يراد لتعيين ما تضمنه العقد والبر والشعير مما يتعين بالعقد فلم يفتقر إلى القبض فهو أن هذا يفسد ببيع الحلي بالحلي يلزم فيه تعجيل القبض وإن كان متعينا بالعقد . ثم لو سلم من هذا الكسر لكان عكس هذا الاعتبار أشبه بالأصول لأن السلم يتعين فيه الثمن ولا يتعين فيه المثمن ، ثم يلزم فيه تعجيل قبض الثمن وإن كان معينا ولا يلزم فيه تعجيل قبض الثمن وإن لم يكن معينا فكان اعتبار هذا يوجب تعجيل القبض فيما كان معينا ، ولا يوجبه فيما ليس بمعين ، ولما انعكس هذا الاعتبار عليه بطل أن يكون له دليل فيه .
فلو لم يتفرقا ولكن خير أحدهما صاحبه فاختار الإمضاء القائم مقام الافتراق قبل أن يتقابضا كان هذا التخير باطلا ولم يبطل العقد لأن اختيار الإمضاء إنما يكون بعد تقضي علق العقد ، وبقاء القبض يمنع من نقض علقه فمنع من اختيار إمضائه ، فإن تقابضا بعد ذلك وقبل الافتراق صح العقد واستقر وكانا بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا . فلو وكل أحدهما في القبض له والإقباض عنه ، فإن قبض الوكيل وأقبض قبل افتراق موكله والعاقد الآخر صح العقد ، وإن أقبض بعد افتراقهما لم يجز وكان العقد باطلا لافتراق المتعاقدين قبل القبض ،