الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص67
ولأن الخيار غرر والعقد يمنع من كثير الغرر ولا يمنع من قليله كعقد الرؤية لما كان غررا جوّز في توابع البيع ولم يجوّز في جميعه ، والثلاث في حد القلة ، وما زاد عليها في حد الكثرة بدليل قوله تعالى في قصة ثمود ( فيأخذكم عذاب قريب ) [ هود : 64 ] ثم بين القريب فقال تعالى : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ) [ هود : 65 ] فثبت أن الثلاث في حد القلة ، فجاز اشتراط الخيار بها في العقد لقلة غررها ، ولم يجز فيما زاد عليها لكثرة غررها .
فأما الجواب عن قوله ( ص ) : ‘ المسلمون على شروطهم ‘ .
فقد استثنى منه ‘ إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ‘ .
وأما الجواب عن قياسهم على خيار الثلاث فالمعنى فيها قلة الغرر بها على أن الثلاث رخصة مستثناة من جملة محظورة ، فلم يجز القياس عليها .
وأما الجواب عن قياسهم على الأجل : فالمعنى فيه أن تأجيل الثمن لا يمنع مقصود العقد ، لأن مقصوده طلب الفضل فيه بتوفير الثمن ، وهذا موجود في زيادة الأجل ، وليس كذلك الخيار ، لأنه يمنع مقصود العقد من جواز التصرف في الثمن والمثمن .
وأما الجواب عن استدلالهم بخيار المجلس فالمعنى فيه أنه من موجبات العقد ، فجازت فيه الجهالة ، وخيار الثلاث من موجبات الشرط فلم تجز فيه الجهالة ، كالقبض إذا كان مستحقا بالعقد جاز أن يكون مجهول الوقت ، وإذا كان مستحقا بالشرط لم يجز أن يكون مجهول الوقت .
وقال أبو حنيفة : إن اتفقا على إبطال ما زاد على الثلاث قبل تقضي الثلاث ، صح البيع . وإن لم يبطلاه حتى مضت الثلاث ، فسد حينئذ البيع . استدلالا بأن الشرط في مدة الخيار بعد العقد في حكم الشرط حال العقد ، ألا ترى أنهما لو زادا في الثمن أو نقصا منه في مدة الخيار ، أو زادا في الأجل أو نقصا منه ، لزم ما اشترطاه من الزيادة والنقصان بعد العقد ، كما يلزم لو شرطاه حال العقد ، فلما ثبت أنهما لو شرطا حال العقد إبطال ما زاد على الثلاث ، صح العقد ، وجب إذا اشترطا بعد العقد إبطال ما زاد على الثلاث أن يصح العقد .
ودليلنا : نهيه ( ص ) عن بيع الغرر والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ؛ ولأنه عقد فاسد ، فوجب أن لا يلحقه الصحة قياسا على بيع الدرهم بالدرهمين ؛ ولأنه عقد شرط فيه خيار فاسد ، فوجب أن يفسده ، أصله : إذا لم يبطلاه حتى مضت الثلاث ؛ ولأن كلما أبطل العقد