الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص50
أحدها : ما يكون حكمه حكم العتق على ما مضى من إمضاء البائع دون فسخه ، وذلك : الوقف ، والتدبير ، والوصية .
والضرب الثاني : ما كان مردودا باطلا على الأحوال كلها ، سواء انفسخ البيع أو تم ، وذلك : البيع ، والإجارة ، والرهن ، والهبة .
والضرب الثالث : ما اختلف أصحابنا فيه ، وذلك : الكتابة ، ففيها وجهان :
أحدهما : كالضرب الأول ، فتكون كالعتق ؛ لأنه يفضي إليه .
والوجه الثاني : أنه كالضرب الثاني ، فيكون باطلا ؛ لأنه عقد معاوضة كالبيع .
وجميع ما ذكرنا من تصرف المشتري في المبيع بعتق كان أو غيره إذا كان بغير أمر البائع .
فأما إذا كان بأمر البائع وعن إذنه ، فجميعه نافذ ماض ، ويكون تصرف المشتري بذلك عن إذن البائع اختيارا منهما لإمضاء البيع وقطع الخيار .
فإن قيل : أفيكون تصرف المشتري بما ذكرنا من العتق وغيره عن غير أمر البائع رضا منه لإمضاء البيع وقطع الخيار من جهته ؟
قيل : لا يخلو حال تصرفه من أحد أمرين : إما أن يكون في خيار الثلاث . أو في خيار المجلس .
فإن كان تصرفه بما ذكرنا في خيار الثلاث ، كان ذلك رضا منه لإمضاء البيع وقطع الخيار ، ويكون خيار البائع باقيا ؛ لأن خيار الثلاث لا يمتنع ثبوته لأحد المتبايعين دون الآخر ، وكذا لو اختار إمضاء البيع بصريح القول ، فقال : قد اخترت الإمضاء ، انقطع خياره ، ويكون خيار البائع باقيا له بحاله .
وإن كان تصرفه بما ذكرنا في خيار المجلس ، أو قال : قد اخترت إمضاء البيع : فإن قابله البائع بالإمضاء على الفور كان ذلك قطعا لخيارهما :
أما الأول : فبالتصرف الدال على الرضا من جهته ، أو بصريح اختياره .
وأما الثاني : فبمقابلته له على إجازة تصرفه .
وإن لم يقابله البائع بالإمضاء على الفور ، بل أمسك عن الرضا ، ولم يصرح في تصرفه بالاختيار . فلا يخلو تصرف المشتري من أحد أمرين : إما أن يكون مما يلزمه حكمه في الحال كالعتق والوقف والتدبير ، فيكون ذلك قطعا لخياره ورضا للإمضاء من جهته ويكون خيار البائع باقيا .
وإنما بطل خيار المشتري ؛ لأن بقاء خياره يمنع من لزوم حكم تصرفه ، فلما كان حكم