پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص45

أحدهما : وهو يحكى عن أبي إسحاق المروزي فيما علق عنه : أن حد الافتراق في بيعه أن يفارق مجلس بيعه الذي ابتاع فيه من ابنه إلى حيث لا ينسب في العرف إليه ، فيكون ذلك تفرقا يلزم به البيع .

والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا : أن الخيار باق وإن فارق مجلسه ، لأنه لا يصح أن يكون مفارقا لنفسه ويكون الخيار باقيا إلى بلوغ ابنه ، أو يخير الأب نفسه عن ابنه ، فيختار لنفسه وعن ابنه إمضاء البيع وقطع الخيار ، فيلزم حينئذ البيع .

فأما إذا مات أحد المتبايعين قبل التفرق ، فانتقل الخيار إلى وارثه ، وإن كان غائبا ، فله الخيار في موضعه الذي بلغه حيث كان ، فإن زال عن الموضع ، سقط خياره .

وإن اختار أحدهما الفسخ والآخر الإمضاء ، غلب الفسخ على الإمضاء ؛ لأن موضوع الخيار الفسخ .

ولا فرق بين أن يفترق المتبايعان عن قصد لقطع الخيار ولزوم البيع ، أو غير قصد ناسين ، فهذا الكلام في حد الافتراق وحكمه وما يتعلق عليه من فروعه .

فصل :

فأما التخيير القائم في قطع الخيار ولزوم البيع مقام الافتراق :

فهو أن يخيّر أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار الإمضاء ، فينقطع بذلك الخيار ، ويلزم معه العقد وإن كانا في مجلس بيعهما لم يتفرقا .

وقال أحمد بن حنبل : لا حكم للتخيير في لزوم البيع ، وهما على خيارهما ما لم يتفرقا لعموم قوله ( ص ) ‘ البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا ‘ .

والدلالة عليه : الخبر المروي في كتابنا رابعا عن ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : ‘ كل بيّعين فلا بيع بينهما حتى يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر ‘ . وروي أنه ( ص ) ابتاع من أعرابي فرسا فقال له : ‘ اختر ‘ فقال : عمّرك الله ممن أنت ؟ فقال النبي ( ص ) : ‘ امرؤ من قريش ‘ .

ولأن الخيار خياران : خيار شرط ، وخيار عقد .

ثم ثبت أن خيار الشرط ينقطع بالتخيير ، فكذلك خيار العقد يجب أن ينقطع بالتخيير .

فإذا ثبت أن التخيير يقوم مقام الافتراق في قطع الخيار ولزوم البيع ، فخيّر أحدهما صاحبه :

فإن اختارا جميعا الإمضاء ، انقطع الخيار ولزم البيع .

وإن اختارا جميعا الفسخ ، انفسخ البيع وإن اختار أحدهما الفسخ والآخر الإمضاء غلبا الفسخ على الإمضاء ، وفسخ البيع ، لأن موضوع الخيار الفسخ .