الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص36
ولأنه عقد معاوضة محضة ، فوجب أن يكون للتفرق تأثير فيه ، كالصرف والسلم .
ولأن الخيار ضربان : ضرب يتعلق بالصفات ، وضرب يتعلق بالزمان .
ثم كان الخيار المتعلق بالصفات ينقسم قسمين : قسم وجب بالشرط وقسم وجب بالشرع .
فالقسم الواجب بالشرط : أن يبتاع عبدا على أنه كاتب أو صانع ، فيجده بخلاف ذلك ، فيجب له الخيار لعدم الفضيلة المستحقة بالشرط .
والواجب بالشرع : هو خيار العيب لنقص وجده عن حال السلامة ، فيجب له الخيار بالشرع ، فاقتضى أن يكون الخيار المتعلق بالزمان ينقسم قسمين :
قسم وجب بالشرط : وهو خيار الثلاث .
وقسم وجب بالشرع : وهو خيار المجلس .
وتحريره قياسا : أنه أحد جنسي الخيار ، فوجب أن يتنوع نوعين : شرطا وشرعا قياسا على خيار الصفات . ولأنه عقد يقصد به تمليك المال ، فلم يلزم بالبذل والقبول كالهبة . ولأن عقد البيع بذل وقبول ، فلما ثبت الخيار بعد البذل ، وجب أن يثبت بعد القبول .
وتحريره قياسا : أنه قول أحد المتبايعين ، فوجب ثبوت الخيار بعده كالبذل .
فأما الجواب عن قوله سبحانه وتعالى : ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) فهو أن المراد به الإشهاد بعد الافتراق في الحال التي يلزم فيها العقد . ولا يمنع أن يكون ذلك إشهادا على العقد ووثيقة فيه [ كما إن الإشهاد في خيار الثلاث ، يكون بعد تقضّي الثلاث ، ولا يمنع أن يكون ذلك إشهادا على العقد ووثيقة فيه ] .
وأما الجواب عن حديث عمرو بن شعيب ، وقوله : ‘ ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقبله ‘ فهو أن لهذا اللفظ ظاهرين :
أحدهما : حجة عليهم .
والثاني : حجة لهم .
فقوله : ‘ ولا يحل له أن يفارقه ‘ حجة عليهم ، لأنه يدل على أن البيع لم يقع لازما ، وأن فيه خيارا يسقط بالتفرق .
وقوله : ‘ خشية أن يستقبله ‘ حجة لهم ، لأنه يدل على أن الخيار لا يستحق إلا بالإقالة .
فلم يكن بد من تغليب أحد الظاهرين لتعارضهما ، فكان تغليب الظاهر في إثبات الخيار أحق لأمرين :