پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص35

على أن هذا وإن ساغ في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر على وهن وضعف ، فليس يسوغ في حديث غيره ؛ لأن النص يدفعه من قوله : أو يقول لصاحبه : اختر ، فإن ما بعد ذلك يخالف ما قبله .

وأما الانفصال عن قولهم : إن حمله على الخيار حين التساوم حقيقة وبعد العقد مجاز : فمن وجهين :

أحدهما : أن حمله عليها وقت التساوم مجاز ، وبعد العقد حقيقة لغة وشرعا : فأما اللغة ، فلأن البيع مشتق من فعل ، والأسماء المشتقة من الأفعال لا تنطلق على مسمياتها إلا بعد وجود الأفعال ، كالضارب والقاتل : لا يتناول المسمى به إلا بعد وجود الضرب والقتل ، كذلك البائع لا ينطلق عليه اسم البيّع إلا بعد وجود البيع منه ، والبيع إنما يوجد بعد العقد ، فأما حين التساوم فلا .

فأما الشرع ، فلأنه لو قال لعبده : إذا بعتك فأنت حر لم يعتق عليه بالمساومة ، فإذا تم العقد عتق عليه ، فلذلك قال مالك وأبو حنيفة : إذا باعه بيعا لا خيار فيه ، لم يعتق عليه ، لأنه يصير بائعا بعد العقد ، وقد زال ملكه بالعقد ، وانقطع خياره ، فلم يعتق عليه من بعد .

والثاني : أن تسميتنا له بائعا بعد انقضاء البيع ، إن كان مجازا من حيث يقال : كانا متبايعين ، فالحمل عليه وقت التساوم وجاز أيضا حتى يوجد القبول ، وإلا فيقال : سيكونان متبايعين ، وإذا كان ذلك مجازا فيهما جميعا ، كان ما ذكرنا أولى من وجهين :

أحدهما : أن الاسم وإن انطلق عليهما بعد العقد مجازا ، فقد استقر بوجود البيع ، وهو قبل العقد غير مستقر ، لجواز أن لا يتم البيع .

والثاني : أن اسم البائع والمشتري من الأسماء المشتركة ، كالوالد والولد ، فلا يوجد المشتري إلا في مقابلة البائع ، ولا يوجد البائع إلا في مقابلة المشتري ، فلو كان البائع بعد البذل وقبل القبول يسمى بائعا ، لجاز أن يكون الطالب قبل القبول يسمى مشتريا ، فلما لم يسم الطالب مشتريا إلا بعد القبول ، لم يسم الباذل بائعا إلا بعد القبول .

على أن هذا التأويل إنما يسوغ مع وهاية في قوله : المتبايعان فأما في قوله البيّعان فلا يسوغ فيه . فنستعمل الروايتين ، ونحمله على اختلاف معنيين ، فيكون أولى من حمله على أحدهما .

فبطل هذا التأويل بما ذكرنا من الدليل والانفصال ، واستقر ما ذكرنا من الوجوه في أدلة الأخبار .

فأما المعنى النظري فهو أنه خيار ورد به الشرع ، فوجب أن يعتبر حكمه بعد العقد ، أصله خيار الثلاث .