الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص24
والوجه الثاني : أنه لا يجوز قولا واحدا ، بخلاف العين الغائبة ، وهو قول أكثر أصحابنا ، وإليه أشار أبو إسحاق المروزي ، وابن أبي هريرة ، لأن الحاضر مقدور على رؤيته ، فارتفعت الضرورة في جواز بيعه على خيار الرؤية ، والغائب لما لم يقدر على رؤيته دعت الضرورة إلى جواز بيعه على خيار الرؤية .
فأما بيع السلجم ، والجزر ، والبصل ، والفجل ، في الأرض قبل قلعه على شرط خيار الرؤية .
فقد كان بعض أصحابنا يخرج جواز بيعه على قولين كالعين الغائبة .
وقال سائر أصحابنا : إن بيع ذلك باطل قولا واحدا .
والفرق بين هذا وبين العين الغائبة من وجهين :
أحدهما : أن وصف الغائب ممكن ؛ لتقدم الرؤية له ، ووصف هذا في الأرض قبل قلعه غير ممكن .
والثاني : أن المشتري إذا فسخ بيع الغائب ، أمكن رده إلى حاله ، وإذا فسخ بيع هذا المقلوع من الأرض ، لم يمكن رده إلى حاله .
فأما بيع التمر المكنون في قواصره وجِلاله :
فقد كان بعض أصحابنا يخرج بيعه على قولين كالغائب .
وقال سائر أصحابنا البصريين : يجوز بيعه في قواصره ، قولا واحدا إذا شاهد رأس كل قوصرة ؛ لأن في كسر كل قوصرة لمشاهدة ما فيها مشقة وفسادا ، وقد أجمع عليه علماء الأعصار بالبصرة .
وإما ما سوى التمر من الأمتعة التي في أوعيتها ، فلا يخلو حالها من أحد أمرين : إما أن يكون ذائبا ، أو غير ذائب .
فإن كان ذائبا كالزيت والعسل ، فإذا شاهد يسيرا مما في الوعاء أجزأه عن مشاهدة جميعه وجاز بيعه قولا واحدا ، كالصبرة من الطعام .
وإن كان غير ذائب فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون مما تتفاوت أجزاؤه ، ويباين بعضه بعضا ، كالثياب ، فلا يجوز بيعها إلا بمشاهدة جميعها ، إلا أن يبيعها من غير مشاهدة بشرط خيار الرؤية ، فيكون في حكم بيع العين الغائبة أو الحاضرة على خيار الرؤية .
والثاني : إن كان مما تتماثل أجزاؤه في الغالب ، أو تتقارب كالدقيق والقطن .
فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال بعضهم : لا يصح بيعه إلا برؤية جميعه كالثياب . وقال آخرون : يجوز بيعه برؤية بعضه كالذائب .