الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص17
الهواء . ولأنه خيار ممتد بعد المجلس غير موضوع لاستدراك الغبن ، فوجب أن يمنع صحة العقد ، أصله إذا اشترط خيارا مطلقا .
فأما الجواب عن الاستدلال بالآية : إن سلم أنها عامة فخصصها بما ذكرنا من الأدلة .
وأما الجواب عن حديث أبي هريرة :
فقد قال الحفاظ من حملة الآثار والجهابذة من نقلة الأخبار : أن عمر بن إبراهيم الأهوازي تفرد بروايته ، وهو مشهور باختراع الأحاديث ووضعها ، ومن كانت هذه منزلته ، فغير ملتفت إلى روايته . على أنه لو صح ، لأمكن استعماله من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن قوله : ‘ من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه ‘ في الاستئناف للعقد عليه ، لا في استصحاب العقد المتقدم منه .
والثاني : أنه محمول على السلم الذي لم يره ، فهو بالخيار إذا رآه ناقصا عن الصفة .
والثالث : أنه محمول على من اشترى ما لم يره في حال العقد إذا كان قد رآه قبل العقد ، فهو بالخيار إذا وجده ناقصا فيما بعد .
أما الجواب عما ذكره من الإجماع : فقد خالف فيه عمر ، فبطل أن يكون إجماعا يحتج به ، أو دلالة تلزم ، ولو لم يكن عمر مخالفا ، لكان قول خمسة لا يعلم انتشاره في جميعهم ، والقياس يخالفه ، فوجب أن يقدم عليه .
وأما الجواب عن قياسهم على النكاح ، فالفرق بينهما يمنع من صحة الجمع ، وهو أن الرؤية موضوعة لاستدراك الصفة وليس المقصود في النكاح صفة المنكوحة ، وإنما المقصود فيه الوصلة ، ألا تراه لو وجدها معيبة لم يكن له خيار ، فكذلك لم يكن الجهل بصفاتها مانعا من صحة العقد عليها ، وصفات المبيع مقصودة في البيع ، بدليل أنه لو وجده معيبا كان له الخيار ، وكذلك كان الجهل بصفاته مانعا من صحة العقد عليه .
على أن أبا حنيفة قد فرق بين النكاح والبيع في الرؤية ، فقال : عقد النكاح لازم قبل الرؤية ، وعقد البيع في العين الغائبة لا يلزم إلا بالرؤية .
فيقال له : لما كانت الرؤية شرطا في لزوم البيع ، كانت شرطا في انعقاده ، ولما لم تكن الرؤية شرطا في لزوم النكاح ، لم تكن شرطا في انعقاده .
وأما الجواب عن قولهم : إن فقد الرؤية يوقع الجهل بصفات المبيع ، والجهل بصفات المبيع ، يوجب الخيار ، ولا يوجب فساد العقد كالمعيب والمستور بقشره . فهو أن المعيب والمستور بقشره قد جهل بعض صفاته ، والغائب قد جهل جميع صفاته ، والجهل ببعض الصفات لا يساوي حكم الجهل بجميعها ، لأمرين :