الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص11
وحقيقته في الشرع : نقل ملك بعوض على الوجه المأذون فيه .
وأنما قلنا : نقل ملك ، احترازا مما لا يملك ، وممن لا يملك .
وقلنا : بعوض احترازا من الهبات ، ومما لا يجوز أن يكون عوضا .
وقلنا : على الوجه المأذون فيه ، احترازا من البيوع المنهي عنها كالملامسة والمنابذة .
وإذا كان ذلك حقيقة البيوع الجائز في الشرع .
فقد اختلف الناس : هل البيوع الجائزة من أجل المكاسب وأطيبها ؟
أو غيرها من المكاسب أجلّ منها ؟
فقال قوم : الزراعات أجلّ المكاسب كلها ، وأطيب من البيوع وغيرها ، لأن الإنسان في الاكتساب بها أحسن توكلا ، وأقوى إخلاصا ، وأكثر لأمر الله تعالى تفويضا وتسليما .
وقال آخرون : إن الصناعات أجلّ كسبا منها وأطيب من البيوع وغيرها ، لأنها اكتساب تنال بكد الجسم وإتعاب النفس ، وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إن الله يحب العبد المحترف ‘ فظاهر الاحتراف بالنفس دون المال .
وقال آخرون : البياعات أجلّ المكاسب كلها ، وأطيب من الزراعات وغيرها ، وهو أشبه بمذهب الشافعي والعراقيين ، حتى أن محمد بن الحسن قيل له : هلا صنعت كتابا في الزهد ، قال : قد فعلت ، قيل : فما ذلك الكتاب ؟ قال : هو كتاب البيوع . والدليل على أن البيوع أجلّ المكاسب كلها إذا وقعت على الوجه المأذون فيه : إن الله عز وجل صرح في كتابه بإحلالها ، فقال : ( وأحل الله البيع ) ولم يصرح بإحلال غيرها ، ولا ذكر جوازها وإباحتها .
وروت عائشة قالت : قال رسول الله ( ص ) : ‘ أطيب ما أكل الرجل من كسبه ‘ والكسب في كتاب الله التجارة . وروى رافع بن خديج قال : قال رجل : يا رسول الله أي العمل أطيب ؟ فقال : ‘ عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور ‘ .