الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص9
والوجه الثاني : أنها مجملة بغيرها ، وذلك أنها تقتضي جواز كل بيع من غرر ، ومعدوم ، وغيره . وقد وردت السنة بالمنع من بيع الغرر ، والملامسة ، والمنابذة ، وغير ذلك فصارت السنة معارضة لها ، فوقع الإجمال فيها بغيرها . فإذا ثبت أنها مجملة بنفسها على أحد الوجهين ، أو بغيرها على الوجه الثاني ، فقد اختلف أصحابنا :
هل وقع الإجمال في صيغة لفظها وفي المعنى المراد بها ؟
أو وقع الإجمال في المعنى المراد بها دون صيغة لفظها ؟
على وجهين :
أحدهما : أن الإجمال في المعنى دون اللفظ ، لأن لفظ البيع ، اسم لغوي لم يرد من طريق الشرع ، ومعناه معقول ، إلا أنه لما قام بإزائه ما يعارضه تدافع العمومان ، ولم يتعين المراد منهما إلا بالسنة ، صارا مجملين لهذا المعنى ، لأن اللفظ مشكل المعنى .
والوجه الثاني : أن اللفظ مجمل ، والمعنى المراد به مشكل ، لأنه لما لم يكن المراد باللفظ ما وقع عليه الاسم ، وصار مضمنا بشرائط لم تكن معقولة في اللغة ، خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه في اللغة إلى ما استقرت عليه شرائط الشرع ، وإن كان له في اللغة معاني معقولة ، كما قلنا في الصلاة : إنها مجملة ، لأنها مضمنة بشرائط لم تكن معقولة في اللغة ، وإن كان فيها معاني معقولة في اللغة كالخضوع وما يقع فيها من الدعاء ، فكذلك لفظ البيع .
وعلى كلا الوجهين لا يجوز الاستدلال بها على صحة بيع من فساده ، وإن دلت على إباحة البيع في أصله .
وهذا فرق ما بين العموم والمجمل ، حيث جاز الاستدلال بظاهرة العموم ، ولم يجز الاستدلال بظاهر المجمل . والله أعلم .
فاختلف أصحابنا في وجه دخول ذلك فيهما على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العموم في اللفظ والإجمال في المعنى .
فيكون اللفظ عموما دخله الخصوص ، والمعنى مجملا لحقه التفسير .
والوجه الثاني : أن العموم في أول الآية ، وهو قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) والإجمال في آخرها ، وهو قوله تعالى : ( وحرم الربا ) فيكون أول الآية عاما دخله التخصيص ، وآخرها مجملا لحقه التفسير .