پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص6

وأما قوله تعالى : ( بالباطل ) ففيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنه أراد أن يصرف في المحظورات .

والثاني : أن المراد به أن لا يؤخذ بالانتهاب والغارات على عادتهم في الجاهلية .

والثالث : أن المراد بالباطل التجارات الفاسدة المألوفة عندهم في بيوع الجاهلية .

وأما قوله تعالى : ( إلا أن تكون تجارة ) . فلفظ إلا موضوع في اللغة للاستثناء ، ولكن اختلف الناس وأصحابنا معهم في المراد به في هذا الموضع على أربعة أقوال :

أحدها : أن إلا في هذا الموضوع لم يرد بها الاستثناء ، وإنما معناها : لكن فيصير تقدير الآية : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولكن كلوها تجارة عن تراض منكم ، كقوله تعالى : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأً ) [ النساء : 92 ] معناه : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا ولا خطأ ، لكن إن قتله خطأ ، فتحرير رقبة مؤمنة . وبهذا قال أبو إسحاق المروزي .

والثاني : أن معنى : إلا : في هذا الموضع معنى : الواو ، فيكون تقدير الآية : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، وكلوها تجارة عن تراض ، كقوله تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) [ الأنبياء : 22 ] أي والله لفسدتا .

وقول الشاعر :

( وكل أخ مفارقه أخوه
لعمر أبيك إلا الفرقدان )

أي والفرقدان أيضا سيفترقان ، ولو أراد الاستثناء لقال : إلا الفرقدين .

والثالث : أن معنى إلا ، في هذا الموضع معنى الاستثناء ، غير أنه من مضمر دلّ عليه مظهر ، ليصح أن يكون استثناء من جنسه ، فيكون تقدير الكلام : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا بالتجارة ، إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، وهذا قول من منع الاستثناء من غير جنسه ، وجعلوا ذلك كقوله تعالى : ( أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم ) [ المائدة : 1 ] وإنما معناه : أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد إلا أن تكونوا محرمين ، فيحرم عليكم الصيد .

والرابع : أن ذلك استثناء من غير جنسه ، والدليل على جواز الاستثناء من غير جنسه – وهو أشبه بمذهب الشافعي – قوله تعالى : ( لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ) [ مريم : 62 ] وليس السلام من جنس اللغو .