پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص350

مسألة

: قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ نحر هدياً لإحصاره حيث أحصر في حل أو حرمٍ ‘ .

قال الماوردي : وهو كما قال : على المتحلل بالإحصار دم لأجل إحلاله ، وقال مالك : لا دم عليه ؛ لأنه يتحلل من نسكه بسبب لم ينتسب فيه إلى التفريط فوجب أن لا يلزمه الدم قياساً على المتحلل بإكمال الحج ، قال : ولأن المحصر إنما جوز له التحلل قبل إتمام الحج ؛ رفقاً به وتخفيفاً عليه ، فلم يجب أن تغلظ عليه بإيجاب الدم في محل التخفيف ، والدلالة عليه قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ) ( البقرة : 196 ) فذكر السبب وحكمه ، فدل على أن الحكم متعلق به .

وروى جابر بن عبد الله قال : أحصرنا مع رسول الله ( ص ) عام الحديبية فنحرنا البدنة عن سبعةٍ ، والبقرة عن سبعةٍ ، فدل على أن البدنة قد وجبت بالإحصار على سبعة ؛ ليصح أن تكون البدنة منحورة عن سبعة ؛ ولأنه تحلل من نسكه قبل إتمامه ، فوجب أن يلزمه الهدي كالفائت .

وأما قياسه على المتحلل بعد كمال نسكه فمنتقض بالقارن والمتمتع قد أحل بعد كمال نسكه ، وعليه دم ثم المعنى فيه أنه أحل بعد كمال نسكه ، فلم يلزمه دم ، وهذا المحصر قد أحل قبل كمال نسكه فلزمه دم .

وأما قوله : إن إحلال المحصر تخفيف ، وإيجاب الدم تغليط فغير لازم ؛ لأن الدم قد يجب في محل التخفيف كما يجب في محل التغليط ، ألا ترى أن المتمتع يلزمه دم ، وإن كان المتمتع محل تخفيف ، والله أعلم .

فصل

: فإذا ثبت أن على المتحلل بالإحصار هدياً ، انتقل الكلام إلى الموضع الذي يجوز أن ينحر فيه الهدي ، فنقول : ليس يخلو أن يكون محصراً في حل أو في حرم ، فإن كان محصراً في حرم ، فعليه أن ينحر هدي إحصاره في الحرم ، فإن نحره في الحل لم يجزه ، وإن كان محصراً في الحل فلا يخلو حاله من أحد أمرين إما أن يكون قادراً على إيصال هديه إلى الحرم ، أو غير قادر ، فإن كان قادراً على إيصال هديه إلى الحرم ، لم يجز أن ينحر ، في الحل ، وكان عليه إيصاله إلى الحرم ، ومن أصحابنا البغداديين من جوز نحر هديه في الحل ، وإن قدر على إيصاله إلى الحرم ، والمذهب هو الأول ، وعليه جميع أصحابنا البصريين ، وقد حكاه أبو حامد في جامعه عن الشافعي نصاً ، فأما إذا كان المحصر في الحل غير قادر على إيصال هديه إلى الحرم ، فإنه يجوز أن ينحره في الحل ، حيث أحصر ، وقال أبو حنيفة : عليه أن يوصله إلى الحرم ، ولا يجوز أن ينحره في الحل استدلالاً بقوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ )