الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص187
حرج وأتاه آخر وقال : ذبحت قبل أن رميت فقال : ارم ولا حرج قال عبد الله بن عمرو : ما سئل رسول الله ( ص ) يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال : ‘ افعل ولا حرج عليك ‘ ولأنه ذبح يجوز أن يتعقبه الحلق ، فجاز أن يتقدمه الحلق قياساً على دم الطيب واللباس ، فأما قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ( البقرة : 196 ) فمحمول على الاستحباب وقد قال بعض الناس أن المراد بالمحل الحرم دون الإحرام لقوله تعالى : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البَيْتِ العَتِيقِ ) ( الحج : 33 ) فأما إن قدم الحلق على الرمي : فإن قيل إن الحلق نسك يتحلل به أجزأه ولا دم عليه ، وإن قيل إنه إباحة بعد حظر فعلى وجهين :
أحدهما : وهو مذهب البغداديين : عليه الفدية ؟ لحلقه قبل يوم النحر .
الثاني : وهو مذهب أكثر البصريين : لا فدية عليه ؛ لما قدمنا من حديث عبد الله بن عمرو ، ولما روي عن ابن عباس أن رجلاً قال : يا رسول الله إني أخرت الرمي حتى جن الليل فقال : ارم لا حرج فبين بذلك جواز تقديم الحلق على الرمي .
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ويأكل من لحم هديه ‘ .
قال الماوردي : الهدي على ثلاثة أضرب :
ضرب وجب بالإحرام .
وضرب وجب بالنذر .
وضرب تطوع به ، فأما إن كان واجباً بالإحرام فلا يجوز أن يأكل منه بحال ، وقال أبو حنيفة : يجوز أن يأكل من جميعه إلا من دم القران وجزاء الصيد .
وقال مالك : يأكل من جميعه إلا من جزاء الصيد ، والكلام عليهما يأتي ، وأما التطوع فله أن يأكل منه ؛ لقوله تعالى : ( فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير ) ( الحج : 28 ) وقال : ( وَالقَانِعَ وَالْمُعْتَر ) ( الحج : 36 ) وأما النذر فعلى وجهين :
أحدهما : لا يجوز أن يأكل منه ؛ لأنه دم واجب كسائر الدماء الواجبة بالإحرام .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وكثير من أصحابنا : يجوز أن يأكل منه لأنه متطوع بإيجابه على نفسه ، وكان إلحاقه بالتطوع أولى من إلحاقه بالجبران والنذر .
وقال ابن سريج : إطعام الفقراء مباح وليس بواجب ، فإن أكل جميعه جاز كما لو أطعم جميعه ، وقال أبو حفص ، الوكيل أكله منه واجب ، فإن طعم جميعه لم يجز كما لو أكل