الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص145
شرطاً فيها ، فوجب أن تكون الطهارة شرطاً فيها كالصوم طرداً ، والصلاة عكساً ، ولأن للحج أركاناً ومناسك ، وليست الطهارة واجبة في واحد منهما ، فوجب أن يكون الطواف لاحقاً بأحدهما .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : رواية عائشة أن النبي ( ص ) لما أراد أن يطوف توضأ ثم طاف . وفعله في الحج بيان تؤخذ منه المناسك والأركان ، لقوله ( ص ) ‘ خذوا عني مناسككم ‘ وروى طاوس عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى قد أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق إلا بالخير ‘ . والدلالة فيه من وجهين :
أحدهما : أنه سمى الطواف صلاة ، وهو لا يضع الأسماء اللغوية ، وإنما يكسبها أحكاماً شرعية ، وإذا ثبت أنها في الشرع صلاة ، لم تجز إلا بطهارة ، لقوله ( ص ) : ‘ لا صلاة إلا بطهور ‘ .
والثاني : أنه جعل الطواف صلاة ، واستثنى من أحكامها الكلام ، فلو كان الطواف صلاة في معنى دون معنى لم يكن للاستثناء حكم واحد من جملة أحكامها معنى ، ولأنها عبادة تجب فيها الطهارة ، فوجب أن لا يسقط فرضها بغير طهارة ، كالصلاة ، ولأن كل من لا يصح منه فعل الصلاة ، لا يصح منه فعل الطواف ، كالمحدث إذا كان مقيماً بمكة ، ولأنه طهارة واجبة ، فوجب أن لا تجبر بدم ، كالطهارة للصلاة ، فأما الآية فلا يصح الاستدلال بها ؛ لأن الطواف بغير طهارة مكروه ، والأمر لا يجوز أن يتناول المكروه ، على أنها مجملة أخذ بيانها من فعله ( ص ) ، وهو لم يطف إلا بطهارة وأما قياسهم على السعي والوقوف ، فالمعنى فيه أن الطهارة لما لم تكن واجبة في السعي والوقوف ، لم تكن شرطاً في صحة السعي والوقوف ، ولما كانت الطهارة واجبة في الطواف ، كانت شرطاً في صحة الطواف ، وبمثله يكون الجواب من قياسهم على الصيام في الطرد .
وأما قولهم : إن الطواف لا يخلو أن يكون لاحقاً بالأركان أو بالمناسك .
قلنا : ليس بلاحق بواحد منهما ، لأن الطهارة تجب له ولا تجب لواحد منهما .