الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص124
فإن قيل : يحمل نهيه على الوطء دون العقد .
قيل : غير صحيح من وجهين :
أحدهما : أن أبان بن عثمان ومن حضره قد عقلوا معناه ، وأن المراد به العقد .
والثاني : أنه قال : ‘ لا يَنكح ولا يُنكح ‘ فلم يصح حمله على الوطء ؛ لأن الإنسان لا يوطئ غيره ، على أنه لو جاز ما قالوا ، لكان حمله على العقد أولى من وجهين :
أحدهما : أنه أعم لأنه يتناول الأمرين .
الثاني : أنه يعلم به حكم فيستفاد ، لأن تحريم الوطء مستفاد من قوله تعالى : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ ) ( البقرة : 197 ) وروى عكرمة سألت ابن عمر امرأة تتزوج وهي خارجة مكة : يعني أنها أحرمت وخرجت إلى منى فقال : ‘ لا يعقل فإن رسول الله ( ص ) نهى عنه وهنا نص في العقد وروى أنس بن مالك أن النبي ( ص ) قال : ‘ لا يتزوج المحرم ولا يزوج ‘ . وهذا نص أيضاً ، ولأنه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم ، وروي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وزيد بن زياد ، وليس يعرف لهم من الصحابة مخالف ، ولأنه معنى يثبت به الفراش ، فوجب أن يمنع منه الإحرام ، كالوطء ، ولأنه معنى يثبت به تحريم المصاهرة ، فوجب أن يمنع منه الإحرام ، كالوطء ، ولا ينتقض بالرضاع ، ولأنه يثبت تحريم النسب دون المصاهرة ، ولأن الإحرام معنى يمنع من الوطء ودواعيه ، فوجب أن يمنع من النكاح ، كالعدة ، ولأن النكاح من دواعي الجماع ، فوجب أن يكون الإحرام مانعاً منه ، كالطيب ، ولأنه عقد نكاح على من لا يستبيح الاستمتاع بها مع القدرة ، فوجب أن يكون باطلاً كذات المحرم والمرتد .
فأما استدلالهم بعموم الآيتين ، فمخصوص بما ذكرنا ، وأما استدلالهم بحديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي ( ص ) نكح ميمونة وهو محرم ‘ ففيه جوابان :
أحدهما : وهو قول أبي الطيب بن سلمة أن النبي ( ص ) مخصوص بجواز النكاح في الإحرام لما كان مخصوصاً بغيره في المناكح .
والجواب الثاني : أن النبي ( ص ) وغيره في النكاح في الإحرام سواء ، لكن خبر ابن عباس واهٍ ؛ لأنه من طريق عكرمة وهو ضعيف ، وقد روي من ثلاث طرق ، أن النبي ( ص ) نكح ميمونة وهو حلال .