الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص111
والقول الثاني : لا فدية فيه ، وهو الصحيح . وبه قال من الصحابة جابر ، وابن عمر ، ومن التابعين عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ؛ لأن رائحة الطيب مقصودة دون لونه ، ألا ترى أن العصفر أشهر لوناً منه ولا فدية فيه ، ولأن رائحة الطيب لو زالت من الثوب ، وبقي لونه لم تجب فيه الفدية ، فكذلك الطعام المأكول ، إذا بقي فيه لون الطيب لم تجب الفدية ، وكان أبو إسحاق المروزي يمنع من تخريجها على قولين ، ويحمل اختلاف قول الشافعي على اختلاف حالين ، فالموضع الذي أوجب الفدية ، إذا بقي مع لون الطيب ، إما ريحه ، أو طعمه ، والموضع الذي أسقط الفدية إذا لم يبق غير لونه ، وسواء ما مسه النار أو غيره .
وقال أبو حنيفة : لا يفتدي بشم الطيب ، حتى يستعمل في جسده ، استدلالاً بأن الاقتصار على شم الرائحة لا يوجب الفدية ، كما لو شمها من العطارين .
ودليلنا : هو أن الاستمتاع بالطيب ، يكون تارة بالشم ، وتارة بالاستعمال في البشرة ثم شمه فكان بالفدية أولى ، وليس شمها من غيره استمتاعاً كاملاً ، ولا يسمى به متطيباً فافترقا .
قال الماوردي : وهذا كما قال : العصفر ليس من الطيب ، ولا في حكم الطيب ، وإن ليس المحرم أو المحرمة ثوباً معصفراً جاز ، ولا فدية عليهما .
وقال أبو حنيفة : العصفر ليس من الطيب ، ولكن حكمه حكم الطيب ، فلا يجوز للمحرم ولا المحرمة لبس المعصفر ، سواء كان ينفض أو لم ينفض ، فإن لبس المحرم أو المحرمة معصفراً ، فإن كان ينفض فعليهما الفدية ، وإن كان لا ينفض ، فلا فدية عليهما ، استدلالاً بأن المعصفر لوناً ورائحة ، كالزعفران .
والدلالة على صحة ما ذكرنا : رواية محمد بن أبي إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن النبي ( ص ) نهى النساء في إحرامهم عن القفازين النقاب ، ويلبسن ما شئن من ألوان الثياب من معصفرٍ وخز وحلي وروى أبو جعفر عن محمد بن علي قال : ‘ أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم . فقال : ‘ ما هذه الثياب ؟ فقال علي بن أبي طالب : ما أخال أحداً يعلمنا السنة فسكت عمر ‘ . وروي عن القاسم بن محمد أنه سأل عائشة : ماذا تلبس المحرمة من الثياب ؟ قالت عائشة : كلبس معصفرها ، وحريرها ، وحليها ‘ . فعليّ إنما أشار إلى سنة رسول الله ( ص ) ، وعائشة إنما