الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص76
هم على طريق الجحفة ، كأهل بدر والصفراء ، فميقاتهم من الجحفة التي هي أمامهم ، لأن الجحفة لما كانت ميقاتاً لأهل المغرب والشام الذين هم أبعد داراً منهم ، فأولى أن يكون ميقاتاً لهم ، ومن كان منهم في جادة المدينة ، وعلى طريق ذي الحليفة ، كأهل الأبواء والعرج ، فميقاتهم من موضعهم اعتباراً بذي الحليفة ، لكونهم على جادتها ، وانفصالهم عن الجحفة يبعدهم عنها ، ومن كان منهم بين الجادتين كأهل بني حرب ، فإن كانوا إلى جادة المدينة أقرب ، أحرموا من موضعهم ، وإن كانوا إلى جادة الشام أقرب ، أحرموا من الجحفة ، وليس الاعتبار بالقرب من الميقاتين ، وإنما الاعتبار بالقرب من الجادتين ، وإن كانوا بين الجادتين على سواء ، ولم تكن إحدى الجادتين أقرب إليهم من الأخرى ، فعلى وجهين :
أحدهما : أنهم يحرمون من موضعهم ، كمن هو إلى جادة المدينة أقرب تغليباً لحكم الاحتياط .
والوجه الثاني : أنهم بالخيار بين الإحرام من موضعهم ، وبين الإحرام من الجحفة ؛ لأن تساوي الحالين يوجب تساوي الحكمين .
قال الماوردي : وإنما ذكر الشافعي هذا سؤالاً على نفسه ، لمن زعم أن الإحرام من الميقات غير واجب ، وهو الحسن البصري وإبراهيم النخعي ، استدلالاً بأن ابن عمر وهو راوي المواقيت مر بذي الحليفة ميقات أهل المدينة ، فلم يحرم منها وأحرم بعدها من الفرع فأجاب عن ذلك بجوابين :
أحدهما : أنه مر بذي الحليفة غير مريد لدخوله مكة ، فلما حصل في ضيعته بالفرع حدثت له إرادة لدخول مكة ، وأحرم من موضعه بالعمرة .
والجواب الثاني : أنه كان جائياً من مكة إلى المدينة ، فلما حصل بالفرع بدا له من دخول المدينة ، وأراد العود إلى مكة فأحرم من موضعه بالعمرة ، وقد نقل هذا بعض الرواة ، أن ابن عمر جاء من مكة متوجهاً إلى المدينة ، فلما صار بالفرع بلغه أمر المدينة وما فيها من الفتنة وأمر الحرم ، وما كان من مسلم بين عقبه المزي من أهل المدينة ، فرجع إلى مكة ، فأحرم من موضعه بالعمرة .